أي فمن يمنع عذاب الله عني إن عصيته مع نعمته علي (فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) أي ما تزيدونني بقولكم : أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا غير نسبتي إياكم إلى الخسارة والتخسير : مثل التفسيق ، قال ابن الأعرابي : يريد غير تخسير لكم لا لي (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) أشار إلى ناقته التي جعلها الله معجزته لأنه سبحانه أخرجها لهم من جوف صخرة يشاهدونها بتلك الصفة ، وخرجت كما طلبوه وهي حامل ، وكانت تشرب يوما جميع الماء فتنفرد به ولا ترد الماء معها دابة ، فإذا كان يوم لا ترد فيه وردت الواردة كلها الماء ، وهذا أعظم آية ومعجزة (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) أي فاتركوها في حال أكلها فتكون تأكل في أرض الله (وَلا تَمَسُّوها) أي لا تصيبوها (بِسُوءٍ) قتل أو جرح أو غيره (فَيَأْخُذَكُمْ) إن فعلتم ذلك (عَذابٌ قَرِيبٌ) أي عاجل فيهلككم (فَعَقَرُوها) أي عقرها بعضهم ورضي به البعض ، وإنما عقرها أحمر ثمود وضربت به العرب المثل بالشؤم (فَقالَ) صالح (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) أي تلذذوا بما تريدون من المدركات الحسنة من المناظر والأصوات وغيرها مما يدرك بالحواس في بلادكم ثلاثة أيام ثم يحلّ بكم العذاب بعد ذلك ، فاصفرّت ألوانهم أول يوم ، ثم احمرّت في الغد ، ثم اسودّت اليوم الثالث فهو قوله : (ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) أي إنّ ما وعدتكم به من العذاب ونزوله بعد ثلاثة أيام وعد صدق لا كذب فيه (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) مرّ تفسيره في قصة عاد (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) أي من الخزي الذي لزمهم ذلك اليوم ، والخزي : العيب الذي تظهر فضيحته ويستحى من مثله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُ) أي القادر على ما يشاء (الْعَزِيزُ) الذي لا يمتنع عليه شيء ، ولا يمنع عما أراده (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) ان الله سبحانه أمر جبرائيل فصاح بهم صيحة ماتوا عندها (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ) أي منازلهم (جاثِمِينَ) أي ميتين واقعين على وجوههم (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) أي كأن لم يكونوا في منازلهم قط لانقطاع آثارهم بالهلاك إلّا ما بقي من أجسادهم الدالة على الخزي الذي نزل بهم (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) قد سبق تفسيره.
٦٩ ـ ٧٦ ـ ثم ذكر سبحانه قصّة إبراهيم ولوط فقال سبحانه (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا) يعني الملائكة ، وإنما دخلت اللام لتأكيد الخبر ، ومعنى قد ها هنا : ان السامع لقصص الأنبياء يتوقع قصة بعد قصة ، وقد للتوقع ، فجاءت لتؤذن أن السامع في حال توقع ، واختلف في عدد الرسل فقيل : كانوا ثلاثة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، عن ابن عباس وقيل : كانوا أربعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : والرابع اسمه كروبيل وقيل : كانوا تسعة ، عن الضحاك وكانوا على صور الغلمان أتوا (إِبْراهِيمَ) (ع) (بِالْبُشْرى) أي بالبشارة بإسحاق ونبوته ، وإنه يولد له يعقوب (قالُوا سَلاماً) هذه حكاية ما قال رسل الله تعالى لإبراهيم معناه : أصبت سلاما إذ اعطاك الله سلاما : أي سلامة كما يقال : أهلا ومرحبا (قالَ) إبراهيم مجيبا لهم (سَلامٌ) وقد مرّ تفسيره (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) وتقديم الطعام إليهم ـ بعجل مشوي لأنه توهم أنهم أضياف لكونهم على صورة البشر ، وكان إبراهيم يحبّ الضيفان (فَلَمَّا رَأى) إبراهيم (أَيْدِيَهُمْ) يعني أيدي الملائكة (لا تَصِلُ إِلَيْهِ) أي إلى العجل (نَكِرَهُمْ) أي أنكرهم (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) لما رآهم شبانا أقوياء ، وكان ينزل طرفا من البلد ، وكانوا يمتنعون من تناول طعامه لم يأمن أن يكون ذلك لبلاء ، وذلك أن أهل ذلك الزمان إذا أكل بعضهم طعام بعض أمنه صاحب الطعام على نفسه وماله ولهذا يقال : تحرم فلان بطعامنا ، أي أثبت الحرمة بيننا بأكله الطعام (قالُوا) له (لا تَخَفْ) يا