أي فأجاب له ربه فيما دعاه فعصمه من مكرهن (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي السميع لدعاء الداعي ، العليم بإخلاصه في دعائه وبما يصلحه من الإجابة أو يفسده (ثُمَّ بَدا لَهُمْ) أي ظهر لهم (مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) لأنه أراد به الملك ، وأراد بالآيات العلامات الدالة على براءة يوسف وهي : قد القميص من دبره ، وجز الأيدي (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) فحبسه بعد علمه ببراءته ، والغرض من الحبس أن يظهر للناس أن الذنب كان له لأنه إنما يحبس المجرم وقوله : حتى حين إلى سبع سنين.
٣٦ ـ ٣٨ ـ ثم أخبر سبحانه عن حال يوسف (ع) في الحبس فقال : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) والتقدير : فسجن يوسف ودخل معه السجن فتيان ، أي شابان حدثان مملوكان لملك مصر ، وكان أحدهما صاحب شرابه ، والآخر صاحب طعامه ، فنمى إليه أن صاحب طعامه يريد أن يسمه ، وظن أن الآخر ساعده على ذلك ومالأه عليه (قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) هو من رؤيا المنام ، كان يوسف (ع) لما دخل السجن قال لأهله : اني أعبر الرؤيا ، فقال أحدهما وهو الساقي : رأيت أصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها ، وعصرتها في كأس الملك وسقيته إياها (وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) معناه : وقال صاحب الطعام اني رأيت كأنّ فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبر ، وألوان الأطعمة ، وسباع الطير تنهش منه (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) أي أخبرنا بتعبيره وما يؤول إليه أمره (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي تؤثر الإحسان والأفعال الجميلة قال الضحاك : كان إذا ضاق على رجل مكانه وسع له ، وإن احتاج جمع له ، وإن مرض قام عليه ، وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) وقال الزجاج : جاء في التفسير أنه كان يعين المظلوم ، وينصر الضعيف ، ويعود العليل وقيل : من المحسنين ، أي ممن يحسن تأويل الرؤيا ثم ذكر لهما يوسف (ع) ما يدل على أنه عالم بتفسير الرؤيا (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) في منامكما (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) في اليقظة (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) التأويل ، وذلك أنه كره أن يخبرهما بالتأويل لما على أحدهما فيه من البلاء فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) كأنهما قالا له : كيف عرفت تأويل الرؤيا ولست بكاهن ولا عراف؟ فأخبرهما أنه رسول الله ، وأنه تعالى علّمه ذلك ، وتعليمه تعالى قد يكون بأن يفعل العلم في قلبه ، وقد يكون بالوحي ، وقد يكون بنصب الأدلة التي يدرك بها العلم (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) معناه : أنه لا يستحق هذه الرتبة الخطيرة إلّا المؤمنون المخلصون ، وإني تركت طريقة قوم لا يؤمنون فلذلك خصّني الله بهذه الكرامة (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي) أي شريعة آبائي (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي لا ينبغي لنا ونحن معدن النبوة ، وأهل بيت الرسالة أن ندين بغير التوحيد (ذلِكَ) أي التمسك بالتوحيد ، والبراءة من الشرك (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) بأن خصّنابها ، (وَعَلَى النَّاسِ) أيضا بإرسالنا إليهم ، واتباعهم إيانا ، واهتدائهم بنا (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) نعم الله تعالى ، وقد كان يوسف عليهالسلام فيما بينهم زمانا ولم يحك الله سبحانه أنه دعا إلى الدين ، وكانوا يعبدون الأصنام ، لأنه لم يطمع منهم في الإستماع والقبول ، فلما رآهم عارفين بإحسانه ، مقبلين عليه رجا منهم ما أمر سبحانه له في قوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) ، وقد روي أن صاحبي السجن قالا له : لقد أحببناك حين رأيناك فقال : لا تحباني ، فو الله ما أحبني أحد إلا دخل عليّ من حبّه بلاء ، أحبّتني عمّتي فنسبت إليّ السرقة وأحبني أبي فألقيت في الجب ، وأحبتني امرأة العزيز فألقيت في السجن.
٣٩ ـ ٤٢ ـ (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) هذا حكاية نداء يوسف للمستفتين له عن تأويل رؤياهما ، أي يا ملازمي