(وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر المعنى (قالا) أي قال آدم وحواء لما عاتبهما الله سبحانه ، ووبّخهما على ارتكاب المنهي عنه (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ومعناه : بخسناها الثواب بترك المندوب إليه ، فالظلم ، هو النقص ولا خلاف أن حواء وآدم لم يستحقا العقاب وإنما قالا ذلك لأن من جلّ في الدين قدمه ، كثر على يسير الزلل ندمه وقيل معناه : ظلمنا أنفسنا بالنزول إلى الأرض ومفارقة العيش الرغد (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) معناه : وإن لم تستر علينا ، لأن المغفرة هي الستر على ما تقدم بيانه (وَتَرْحَمْنا) أي ولم تتفضل علينا بنعمتك التي يتم بها ما فوتناه نفوسنا من الثواب ، وبضروب فضلك (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي من جملة من خسر ولم يربح (قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) قد مر تفسيره في سورة البقرة (قالَ) الله تعالى : (فِيها تَحْيَوْنَ) أي في الأرض تعيشون (وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) عند البعث يوم القيامة.
٢٦ ـ ٢٨ ـ (يا بَنِي آدَمَ) وهو خطاب عام لجميع أهل الأزمنة من المكلفين كما يوصي الإنسان ولده وولد ولده بتقوى الله (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) قيل : إنه أنزل ذلك مع آدم وحواء حين أمرا بالإنهباط وقيل : لأن البركات ينسب إلى أنها تأتي من السماء كقوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) وقيل : معنى (أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ) : أعطيناكم ، ووهبنا لكم وكل ما أعطاه الله تعالى لعبده فقد أنزله عليه ، ليس ان هناك علوا وسفلا ، ولكنه يجري مجرى التعظيم كما يقال : رفعت حاجتي إلى فلان ، ورفعت قضيتي إلى الأمير ، وقيل معناه : خلقنا لكم كما قال : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ، (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) (يُوارِي سَوْآتِكُمْ) أي يستر عوراتكم (وَرِيشاً) أي أثاثا مما تحتاجون إليه وقيل : مالا (وَلِباسُ التَّقْوى) هو العمل الصالح (ذلِكَ خَيْرٌ) أي لباس التقوى خير من جميع ما يلبس (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) أي ذلك الذي خلقه الله وأنزله من حجج الله التي تدل على توحيده (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) معناه : لكي يتفكروا فيها فيؤمنوا بالله ، ويصيروا إلى طاعته ، وينتهوا عن معاصيه ثم خاطبهم سبحانه مرة أخرى فقال : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أي لا يضلنكم عن الدين ، ولا يصرفنكم عن الحق بأن يدعوكم إلى المعاصي التي تميل إليها النفوس (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) نسب الإخراج إليه لما كان بإغوائه وإن كان خروجهما بأمر الله تعالى (يَنْزِعُ عَنْهُما) عند وسوسته ودعائه لهما (لِباسَهُما) من ثياب الجنة قيل : كان لبساهما نورا (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) عوراتهما (إِنَّهُ) يعني الشيطان (يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) أي نسله وقيل : جنوده واتباعه من الجن والشياطين (يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) أي نسله وقيل : جنوده واتباعه من الجن والشياطين (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) قال ابن عباس : إن الله تعالى جعلهم يجرون من بني آدم مجرى الدم ، وصدور بني آدم مساكن لهم كما قال : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) ، فهم يرون بني آدم وبنو آدم لا يرونهم قال قتادة : والله ان عدوا يراك من حيث لا تراه لشديد المؤنة إلّا من عصم الله ، وإنما قال ذلك لأنا إذا كنا لا نراهم لم نعرف قصدهم لنا بالكيد والإغواء ، فينبغي أن نكون على حذر فيما نجده في أنفسنا من الوساوس خيفة أن يكون ذلك من الشيطان وإنما لا يراهم البشر لأن أجسامهم شفافة لطيفة تحتاج رؤيتها إلى فضل شعاع (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أي حكمنا بذلك لأنهم يتناصرون على الباطل وإنما خص الذين لا يؤمنون تنبيها على أنهم مع اجتهادهم لا يتمكنون من خيار المؤمنين (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) كنى به عن المشركين الذين كانوا يبدون سوآتهم في طوافهم ، فكان يطوف الرجال والنساء عراة يقولون : نطوف كما ولدتنا أمهاتنا ، ولا نطوف في الثياب