صادِقِينَ) ما صدقتنا لاتهامك لنا في أمر يوسف (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) معناه : ان إخوة يوسف جاؤوا أباهم ومعهم قميص يوسف ملطخا بدم فقالوا له : هذا دم يوسف حين أكله الذئب ولم يمزقوا ثوبه ولم يخطر ببالهم أن الذئب إذا أكل إنسانا فإنه يمزق ثوبه وقيل : إن يعقوب قال لهم : أروني القميص ، فأروه إياه فقال لهم لما رأى القميص صحيحا يا بني والله ما عهدت كاليوم ذئبا أحلم من هذا ، أكل ابني ولم يمزق قميصه (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) أي قال يعقوب لهم إذ اتهمهم في يوسف : لم يأكله الذئب ولكن زينت لكم أنفسكم أمرا عملتموه (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أي فصبري صبر جميل لا جزع فيه ولا شكوى إلى الناس (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) أي بالله أستعين على تحمّل مرارة الصبر عليه. ومكث يوسف في الجبّ ثلاثة أيام.
١٩ ـ ٢٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن حال يوسف بعد إلقائه في الجب فقال : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) أي جماعة مارة ، قالوا : وإنما جاءت من قبل مدين يريدون مصر فأخطأوا الطريق فانطلقوا يهيمون على غير الطريق حتى نزلوا قريبا من الجب (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) أي فبعثوا من يطلب لهم الماء (فَأَدْلى دَلْوَهُ) أي أرسل دلوه في البئر ليستقي فتعلق يوسف (ع) بالحبل ، فلما خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون من الغلمان فلما رآه المدلي (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) نظر في البئر لما ثقل عليه الدلو فرآى يوسف (ع) فقال : هذا غلام فأخرجوه (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) أي وأسرّ يوسف الذين وجدوه من رفقائهم من التجار مخافة أن يطلبوا منهم الشركة معهم في يوسف فقالوا : هذا بضاعة لأهل الماء دفعوه إلينا لنبيعه لهم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) أي بما يعمل أخوة يوسف (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) أي باعوه بثمن ناقص قليل (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) أي قليلة (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يعني به أن الذين اشتروه كانوا من الزاهدين في شرائه لأنهم وجدوا علامة الأحرار ، وأخلاق أهل البر والنبل فلم يرغبوا فيه مخافة أن يلحقهم تبعة من استعباده.
٢١ ـ ٢٢ ـ ثم أخبر سبحانه عن حال يوسف بعد أن بيع فقال : (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ) أي اشترى يوسف (مِنْ مِصْرَ) أي من أهل مصر (لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ) أي مقام يوسف وموضع نزوله ، أي هيئي له موضعا كريما شريفا وكان المشتري خازن فرعون مصر وخليفته وصاحب جنوده واسمه قطفير ، وكان يلقب بالعزيز ، وقال لامرأته راعيل ولقبها زليخا أكرمي مثواه (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) أي عسى أن نبيعه فنربح على ثمنه (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) فإنه لا ولد لنا ، وإنما قال ذلك لما رأى على يوسف من الجمال والعقل والهداية في الأمور ، وقيل : إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه ، ثم مات ويوسف بعده حيّ ، فملك بعده قابوس بن مصعب ، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى أن يقبل (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) أي كما أنعمنا على يوسف بالسلامة والخروج من الجب مكّناه في الأرض بأن عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى صار بذلك متمكنا من الأمر والنهي (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) وقد مضى معناه في أول السورة (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) أي على أمر يوسف يحفظه ويرزقه حتى يبلغه ما قدر له من الملك والنبوة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ما يصنع الله بيوسف ، وما يؤول إليه حاله (وَلَمَّا بَلَغَ) يوسف (أَشُدَّهُ) أي منتهى شبابه وقوته وكمال عقله وقيل : الأشدّ من ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة (آتَيْناهُ حُكْماً) أي أعطيناه القول الفصل الذي يدعو إلى الحكمة (وَعِلْماً) أراد الحكم بين الناس ، والعلم بوجوه المصالح فإن الناس كانوا إذا تحاكموا إلى العزيز أمره بأن يحكم بينهم لما رأى من عقله وإصابته في الرأي (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي مثل ما جزينا يوسف بصبره نجزي كل من أحسن ، أي فعل الأفعال الحسنة من الطاعات.
٢٣ ـ ثم أخبر سبحانه عن امرأة العزيز وما همت به فقال (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) أي وطالبت يوسف المرأة التي كان يوسف في بيتها عن نفسه والمعنى : طلبت منه أن