أخذوا فيما أرادوا سمعوا هذه الآية فقال بعضهم لبعض : هذا كلام لا يشبهه شيء من الكلام ، ولا يشبه كلام المخلوقين ، وتركوا ما أخذوا فيه وافترقوا.
٤٥ ـ ٤٩ ـ ثم حكى سبحانه تمام قصة نوح (ع) فقال (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) نداء تعظيم ودعاء (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) معناه : يا مالكي وخالقي ورازقي وعدتني بتنجية أهلي وان ابني من اهلي وإن وعدك الحق لا خلف فيه فنجه إن كان ممن وعدتني بنجاته (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) في قولك وفعلك (قالَ) الله سبحانه (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) وقد قيل في معناه أقوال (أحدها) انه كان ابنه لصلبه والمعنى : أنه ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم معك ، لأن الله سبحانه قد استثنى من أهله الذين وعده أن ينجيهم ممن أراد اهلاكهم بالغرق فقال : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وعكرمة واختاره الجبائي (وثانيها) ان المراد بقوله (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) انه ليس على دينك فكأن كفره اخرجه عن ان يكون له أحكام أهله قال : قال أبو عبد الله (ع): ان الله تعالى قال لنوح : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ، لأنه كان مخالفا له ، وجعل من اتبعه من أهله ، (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) التقدير : ان ابنك ذو عمل غير صالح (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) إنما سأل نوح (ع) نجاة ابنه بشرط المصلحة لا على سبيل القطع فبيّن سبحانه أن المصلحة في غير نجاته (إِنِّي أَعِظُكَ) أي أحذرك والوعظ : الدعاء إلى الحسن والزجر عن القبيح على وجه الترغيب والترهيب (أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) معناه : لا تكن منهم قال الجبائي يعني إني اعظك لئلا تكون من الجاهلين ولا شك أن وعظه سبحانه يصرف عن الجهل وينزّه عن القبيح (قالَ) نوح عند ذلك (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أي اعتصم بك أن أسألك ما لا أعلم انه صواب وانك تفعله ، ومعنى العياذ بالله : الإعتصام به طلبا للنجاة ، ومعناه ههنا : الخضوع والتذلل لله سبحانه ليوفقه ولا يكله إلى نفسه (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) إنما قال ذلك على سبيل التخشع والاستكانة لله تعالى وإن لم يسبق منه ذنب ، ثم حكى الله سبحانه ما أمر به نوحا حين استقرت السفينة على الجبل بعد خراب الدنيا بالطوفان فقال (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ) أي انزل من السفينة (بِسَلامٍ مِنَّا) أي بسلامة منا ونجاة (وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) أي ونعم دائمة وخيرات نامية ثابتة حالا بعد حال عليك (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) معناه : وعلى أمم من ذرية من معك (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) معناه : انه يكون من نسلهم أمم سنمتعهم في الدنيا بضروب من النعم فيكفرون ونهلكهم ، ثم يمسّهم بعد الهلاك عذاب مؤلم ثم اشار سبحانه إلى ما تقدم ذكره من أخبار قوم نوح فقال (تِلْكَ) أي تلك الأنباء (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أي من اخبار ما غاب عنك معرفته (نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) أي ان هذه الأخبار التي اعلمناكها لم تكن تعلمها انت ولا قومك من العرب يعرفونها من قبل إيحائنا اليك لأنهم لم يكونوا أهل كتاب وسير (فَاصْبِرْ) أي فاصبر على القيام بأمر الله وعلى أذى قومك يا محمد كما صبر نوح على أذى قومه ، وهذا أحد الوجوه التي لأجلها كرّر الله قصص الأنبياء عليهمالسلام ليصبر النبي (ص) على ما كان يقاسيه من أمور الكفار الجهال حالا بعد حال (إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) أي ان العاقبة المحمودة وخاتمة الخير والنصرة للمتقين كما كانت لنوح (ع).
٥٠ ـ ٦٠ ـ ثم عطف سبحانه قصة هود على قصة نوح فقال (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) أراد أخاهم في النسب دون الدين (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحده وأطيعوه دون الأصنام (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) نفى أن يكون لهم معبود يستحق العبادة غير الله عزّ اسمه (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) أي ما انتم إلّا كاذبون في