قولكم ان الأصنام آلهة (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أي لست أطلب منكم على دعائي لكم إلى عبادة الله جزاء (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) أي ليس جزائي إلّا على الله الذي خلقني (أَفَلا تَعْقِلُونَ) عني ما أقول لكم فتعلمون أن الأمر على ما أقوله (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) قد بيّنا وجه تقديم الاستغفار على التوبة في أول هذه السورة (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) أي يرسل المطر عليكم متتابعا متواترا دارّا وكانوا قد اجدبوا ، فوعدهم هود أنهم إن تابوا اخصبت بلادهم ، وامرعت وهادهم واثمرت اشجارهم ، وزكت ثمارهم بنزول الغيث الذي يعيشون به ، وهذا مثل قوله (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) فسّرت القوة هنا بالمال والولد والشدة وكل ذلك مما يتقوّى به الإنسان قال علي بن عيسى : يريد عزّا إلى عزّكم ، بكثرة عددكم وأموالكم ، وقيل : قوة في إيمانكم إلى قوة أبدانكم (وَلا تَتَوَلَّوْا) عما أدعوكم إليه (مُجْرِمِينَ) أي مشركين كافرين (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) أي بحجة ومعجزة تبين صدقك (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) أي لسنا بتاركي عبادة الأصنام لأجل قولك (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) أي مصدّقين ؛ وإنما حملهم على دفع البينة مع ظهورها أشياء منها : تقليد الآباء والرؤساء ، ومنها : انه دخلت عليهم الشبهة في صحتها ، ومنها : اعتقادهم ان عبادتهم تقربهم إلى الله زلفى ، ومنها أن الشيطان ربما ألقى إليهم أن عبادتها تحظيهم في الدنيا (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) المعنى : لسنا نقول فيك إلّا أنه اصابك بعض آلهتنا بسوء فخبل عقلك لشتمك لها وسبّك إياها (قالَ) أي قال هود لقومه (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا) أي وأشهدكم أيضا بعد اشهاد الله (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ) أي إن كنتم تزعمون أن آلهتكم عاقبتني لطعني عليها فإني على بصيرة في البراءة مما تشركون مع الله من آلهتكم التي تزعمون أنها اصابتني بسوء وإنما اشهدهم على ذلك وإن لم يكونوا أهل شهادة من حيث كانوا كفارا فساقا إقامة للحجة عليهم فقال هذا القول اعذارا وانذارا (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) أي فاحتالوا واجتهدوا انتم وآلهتكم في انزال مكروه بي ثم لا تمهلوني. قال الزجاج : وهذا من أعظم آيات الأنبياء أن يكون الرسول وحده وامته متعاونة عليه فيقول لهم : كيدوني فلا يستطيع واحد منهم ضرّه ، وكذلك قال نوح لقومه : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) الآية ، وقال نبينا (ص): فإن كان لكم كيد فكيدون ، ومثل هذا القول لا يصدر إلّا عمن هو واثق بنصر الله وبأنه يحفظه عنهم ويعصمه منهم. ثم ذكر هود (ع) هذا المعنى فقال (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) أي فوّضت أمري إلى الله سبحانه متمسكا بطاعته ، تاركا لمعصيته ، وهذا هو حقيقة التوكل على الله سبحانه (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) أي ما من حيوان يدبّ على وجه الأرض إلّا وهو مالك لها يصرفها كيف شاء ويقهرها ، وجعل الأخذ بالناصية كناية عن القهر والقدرة ، لأن من أخذ بناصية غيره فقد قهره وأذلّه (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إن ربي في تدبير عباده على طريق مستقيم لا عوج فيه ولا اضطراب ، فهو يجري على سبيل الصواب ، ويفعل ما يقتضيه الحكمة (فَإِنْ تَوَلَّوْا) هذا حكاية عما قاله هود (ع) لقومه ، والمعنى : فإن تتولوا (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) أي ليس ذلك لتقصير مني في ابلاغكم وإنما هو لسوء اخياركم في اعراضكم عن نصحي فقد ابلغتكم جميع ما أوحي إليّ (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي ويهلككم ربي بكفركم ويستبدل بكم قوما غيركم يوحّدونه ويعبدونه (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) معناه : لا تضرونه بتوليكم واعراضكم شيئا ، ولا ضرر عليه في اهلاككم لأنه لم يخلقكم لحاجة منه اليكم (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) يحفظه من الهلاك إن شاء ، ويهلكه إذا شاء وقيل