سورة النحل مكية
عدد آياتها مائة وثمان وعشرون آية
١ ـ ٢ ـ (أَتى أَمْرُ اللهِ) فيه أقوال (احدها) ان معناه : قرب أمر الله تعالى بعقاب هؤلاء المشركين المقيمين على الكفر والتكذيب عن الحسن وابن جريج ، قال الحسن : ان المشركين قالوا للنبي صلىاللهعليهوآله : ائتنا بعذاب الله. فقال سبحانه : ان أمر الله آت وكل ما هو آت قريب دان (وثانيها) ان أمر الله أحكامه وفرائضه ، عن الضحاك (وثالثها) ان أمر الله هو يوم القيامة ، عن الجبائي ، وروي نحوه عن ابن عباس ، وعلى هذا الوجه فيكون أتى بمعنى يأتي ، وجاء وقوع الماضي ها هنا لصدق المخبر بما أخبر به ، فصار بمنزلة ما قد مضى ، ولأنّ سبحانه قرّب أمر الساعة بجعله أقرب من لمح البصر ، وقال : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) خطاب للمشركين المكذبين بيوم القيامة ولعذاب الله ، المستهزئين به ، وكانوا يستعجلونه كما حكى الله سبحانه عنهم قولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) ، وتقديره : قل لهؤلاء الكفار لا تستعجلوا القيامة والعذاب فإن الله سيأتي بكل واحد منهما في وقته وحينه كما تقتضيه حكمته (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) هذه كلمة تنزيه لله تعالى عما لا يليق به وبصفاته ، وتنزيه له من أن يكون له شريك في عبادته ، أي جل وتقدس وتنزه من أن يكون له شريك ، تعالى وتعظم وارتفع من جميع صفات النقص (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) أي ينزل الله الملائكة (بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) أي بالوحي وسمي روحا لأنه حياة القلوب والنفوس بالإرشاد إلى الدين وقيل بالنبوة عن الحسن ، وقوله : من أمره أي بأمره ، ونظيره قوله : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ، أي بأمر الله ، لأن أحدا لا يحفظه عن أمره (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ممن يصلح للنبوة والسفارة بينه وبين خلقه (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) هذا تفسير للروح المنزل وبدل منه ، فإن المعنى تنزل الملائكة بأن أنذروا أهل الكفر والمعاصي بأنه لا إله إلا أنا ، أي مروهم بتوحيدي ، وبأن لا يشركوا بي شيئا ، ومعنى فاتقون : فاتقوا مخالفتي. وفي هذا دلالة على أن الغرض من بعثة الأنبياء الإنذار والدعاء إلى الدين.
٣ ـ ٧ ـ لما تقدّم ذكر بعث الملائكة للإنذار ، وبيان التوحيد وشرائع الإسلام. أتبعه سبحانه بالإحتجاج على الخلق بالخلق ، وتعدد صنوف الأنعام فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) ومعناه : انه خلقهما ليستدل بهما على معرفته ، ويتوصل بالنظر فيهما إلى العلم بكمال قدرته وحكمته (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تقدس عن أن يكون له شريك. ثم بيّن سبحانه دلالة أخرى فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) والنطفة الماء القليل غير انه بالتعارف صار اسما لماء الفحل (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) اختصر ها هنا ذكر تقلب أحوال الإنسان لذكره ذلك في أمكنة كثيرة من القرآن فالمعنى : انه خلق الإنسان من نطفة سيالة ضعيفة مهينة دبرها وصوّرها بعد أن قلبها حالا بعد حال حتى صارت إنسانا يخاصم عن نفسه ، ويبين عما في ضميره ، فبين سبحانه أنقص أحوال الإنسان وأكملها منبها على كمال قدرته وعلمه وقيل : خصيم : مجادل بالباطل ، مبين : ظاهر الخصومة ، عن ابن عباس والحسن ، فعلى هذا يكون المعنى : انه خلقه ومكّنه فأخذ يخاصم في نفسه ، وفيه تعريض لفاحش ما ارتكبه الإنسان من تضييع حق نعمة الله عليه ثم بيّن سبحانه نعمته في خلق الأنعام فقال : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها) معناه : وخلق الأنعام من الماء كما خلقكم منه (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) أي ما يستدفأ به مما يعمل من صوفها