يُنْظَرُونَ) أي لا يمهلون للإعتذار.
١٦٣ ـ (وَإِلهُكُمْ) أي خالقكم ، والمنعم عليكم بالنعم التي لا يقدر عليها غيره ، والذي تحق له العبادة (إِلهٌ واحِدٌ) لا نظير له ولا شبيه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) هذه كلمة لاثبات الإلهية لله تعالى وحده ومعناه : الله هو الإله وحده وقوله : (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) إنما قرن الرحمن الرحيم بقوله لا إله إلا هو لأنه بين به سبب إستحقاق العبادة على عباده ، وهو ما أنعم عليهم من النعم العظام التي لا يقدر عليها أحد غيره ، فإن الرحمة هي النعمة على المحتاج إليها.
١٦٤ ـ لما أخبر الله سبحانه الكفار بأن إلههم إله واحد لا ثاني له قالوا : ما الدلالة على ذلك؟ فقال الله سبحانه : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي في إنشائهما مقدرين على سبيل الإختراع (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) كل واحد منهما يخلف صاحبه ، إذا ذهب أحدهما جاء الآخر على وجه المعاقبة أو إختلافهما في الجنس واللون ، والطول والقصر (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) أي السفن التي تحمل الأحمال (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) والنفع بها يكون بركوبها ، والحمل عليها في التجارات والمكاسب (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ) أي من نحو السماء (مِنْ ماءٍ) يعني المطر (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي فعمر به الأرض بعد خرابها ، لأن الأرض إذا وقع عليها المطر أنبتت ، وإذا لم يصبها مطر لم تنبت ولم يتم نباتها ، فكانت من هذا الوجه كالميت (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) أي فرق في الأرض من كل حيوان يدب (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) أي تقليبها بأن جعل بعضها صباء ، وبعضها دبورا ، وبعضها شمالا ، وبعضها جنوبا (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ) أي المذلل (بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يصرفها كما يشاء من بلد إلى بلد ، ومن موضع إلى موضع (لَآياتٍ) أي حججا ودلالات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) انه عام في العقلاء من استدل منهم ومن لم يستدل.
١٦٥ ـ (وَمِنَ النَّاسِ) أي بعض الناس (مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) يعني آلهتهم من الأوثان التي كانوا يعبدونها (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) كحبكم الله ، أي كحب المؤمنين الله (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) يعني حب المؤمنين فوق حب هؤلاء ، وحبهم أشد وأثبت وأدوم لأن المشرك ينتقل من صنم إلى صنم وقوله : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) تقديره : ولو يرى الظالمون ، أي يبصرون (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) معناه : لو ترى أيها الإنسان الظالمين إذ يرون العذاب وقوله : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) إن الله سبحانه قادر على أخذهم وعقوبتهم ، وفي هذا وعيد وإشارة إلى أن هؤلاء الجبابرة مع تعززهم إذا حشروا ذلوا وتخاذلوا (وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) وصف العذاب بالشدة توسعا ومبالغة في الوصف.
١٦٦ ـ ١٦٧ ـ لما ذكر الذين إتخذوا الأنداد ذكر سوء حالهم في المعاد فقال سبحانه : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) وهم القادة والرؤساء من مشركي الانس (مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) أي من الأتباع (وَرَأَوُا) أي رأى التابعون والمتبوعون (الْعَذابَ) أي عاينوه حين دخلوا النار (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) قد زال عنهم كل سبب يمكن أن يتعلق به فلا ينتفعون بالأسباب على اختلافها من منزلة أو قرابة أو مودة أو حلف أو عهد على ما كانوا ينتفعون بها في الدنيا ، وذلك نهاية في الأياس (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) يعني الاتباع (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) أي عودة إلى دار الدنيا وحال التكليف (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) أي من القادة في الدنيا (كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) في الآخرة (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) المعاصي يتحسرون عليها لم عملوها (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) أي يخلدون فيها بيّن سبحانه في الآية أنهم يتحسرون في وقت لا ينفعهم فيه الحسرة ، وذلك ترغيب في التحسر في وقت تنفع فيه الحسرة.