مثل لجميع صدقات الكفار ونفقاتهم في الدنيا (كَمَثَلِ) اهلاك (رِيحٍ فِيها صِرٌّ) برد شديد (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ) أي زرع قوم (ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالمعاصي ، فظلمهم اقتضى هلاك حرثهم عقوبة لهم (فَأَهْلَكَتْهُ) تأديبا لهم من الله (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) في إهلاك زرعهم لأنهم استحقوا ذلك بظلمهم (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث فعلوا ما استحقوا به ذلك.
١١٨ ـ نهى الله المؤمنين عن موالاة الكفار ومخالطتهم خوف الفتنة منهم عليهم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) أي لا تتخذوا الكافرين أولياء وخواص من دون المؤمنين تفشون إليهم أسراركم وقوله : (مِنْ دُونِكُمْ) : أي من غير أهل ملتكم ، ثم بيّن تعالى العلة في المنع من مواصلتهم فقال : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) أي لا يقصرون فيما يؤدي إلى فساد أمركم ولا يدعون جهدهم في مضرتكم وقوله : (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) معناه : تمنوا إدخال المشقة عليكم وقيل : تمنّوا إضلالكم عن دينكم عن السدّي ، وقيل : تمنوا أن يعنتوكم في دينكم ، أي يحملونكم على المشقّة فيه وقوله : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) معناه : ظهرت إمارة العداوة لكم على ألسنتهم ، وفي فحوى أقوالهم ، وفلتات كلامهم (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ) من البغضاء (أَكْبَرُ) مما يبدون بألسنتهم (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) أي أظهرنا لكم الدلالات الواضحات التي بها يتميز الولي من العدو (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) إن كنتم تعلمون مواعظ الله ومنافعها.
١١٩ ـ ثم بيّن سبحانه ما هم عليه من عداوة المؤمنين تأكيدا للنهي عن مصافاتهم فقال : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) وتقديره : ها أنتم الذين تحبونهم (وَلا يُحِبُّونَكُمْ) لأنهم يريدون لكم الكفر والضلال ، وما فيه الهلاك (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) والمراد به كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ومعناه : أنكم تصدقون بها في الجملة والتفصيل من حيث تؤمنون بما أنزل على إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ص) ، وهم لا يصدقون بكتابكم (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا) معناه : إذا رأوكم قالوا صدقنا (وَإِذا خَلَوْا) مع أنفسهم (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ) أي أطراف الأصابع (مِنَ الْغَيْظِ) أي من الغضب والحنق لما يرون من ائتلاف المؤمنين ، واجتماع كلمتهم ، ونصرة الله إياهم (قُلْ) يا محمد لهم (مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) صيغته صيغة الأمر والمعنى : الدعاء عليهم ، فكأنه قال : أماتكم الله بغيظكم ، وفيه معنى الذم لهم ، لأنه لا يجوز أن يدعى عليهم هذا الدعاء إلّا وقد إستحقوا بما أتوه من القبيح (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما يضمرونه من النفاق والغيظ على المسلمين.
١٢٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن حال من تقدم ذكرهم فقال (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ) أي تصبكم أيها المؤمنون نعمة من الله تعالى عليكم : من الفة ، أو اجتماع كلمة ، أو ظفر بالأعداء (تَسُؤْهُمْ) أي تحزنهم (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) أي محنة بإصابة العدو منكم لاختلاف الكلمة ، وما يؤدي إليه من الفرقة يفرحوا بها (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على أذاهم ، وعلى طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله ، والجهاد في سبيله (وَتَتَّقُوا) الله بالإمتناع عن معاصيه ، وفعل طاعته (لا يَضُرُّكُمْ) أيها الموحدون (كَيْدُهُمْ) أي مكر المنافقين وما يحتالون به عليكم (شَيْئاً) أي لا قليلا ولا كثيرا ، لأنه تعالى ينصركم ويدفع شرهم عنكم (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) أي عالم بذلك من جميع جهاته ، مقتدر عليه ، لأن أصل المحيط بالشيء هو المطيف به من حواليه ، وذلك من صفات الأجسام فلا يليق به سبحانه.
١٢١ ـ ١٢٢ ـ واذكر يا محمد (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) أي