تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) معناه : انه لا يمكن أحد أن يؤمن إلا بإطلاق الله تعالى له في الإيمان ، وتمكينه منه ، ودعائه إليه بما خلق فيه من العقل الموجب لذلك (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) معناه : ويجعل العذاب على الذين لا يتفكرون حتى يعقلوا فكأنهم لا عقول لهم ، عن قتادة وابن زيد ، وقيل : الرجس : الغضب والسخط ، عن ابن عباس.
١٠١ ـ ١٠٣ ـ ثم بيّن سبحانه ما يزيد في تنبيه القوم وارشادهم فقال (قُلِ) يا محمد لمن يسألك الآيات (انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الدلائل والعبر من اختلاف الليل والنهار ، ومجاري النجوم والأفلاك وما خلق من الجبال والبحار ، وأنبت من الأشجار والثمار واخرج من أنواع الحيوانات ، فإن النظر في أفرادها وجملتها يدعو إلى الإيمان وإلى معرفة الصانع ووحدانيته وعلمه وقدرته وحكمته (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) معناه : وما تغني هذه الدلالات والبراهين الواضحة مع كثرتها وظهورها ، ولا الرسل المخوفة عن قوم لا ينظرون في الأدلة تفكرا وتدبرا ، ولا يريدون الإيمان وقيل معناه : أيّ شيء تغني عنهم من اجتلاب نفع ، أو دفع ضرر إذا لم يستدلوا بها ، فيكون ما للاستفهام ؛ وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية هتف بها وقال : وما تغني الحجج عن قوم لا يقبلونها (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) معناه : فهل ينتظر هؤلاء الذين امروا بالإيمان فلم يؤمنوا إلا العذاب والهلاك في مثل الأيام التي هلك من قبلهم من الكفار فيها (قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) أي قل يا محمد لهم : فانتظروا ما وعدنا الله به (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) من بينهم ونخلصهم من العذاب وقت نزوله (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) قال الحسن معناه : كنا إذا اهلكنا أمة من الأمم الماضية نجينا نبيهم ونجينا الذين آمنوا به أيضا كذلك إذا اهلكنا هؤلاء المشركين نجيناك يا محمد والذين آمنوا بك وقيل معناه كذلك حقا علينا : أي واجبا علينا من طريق الحكمة ننجي المؤمنين من عذاب الآخرة كما ننجيهم من عذاب الدنيا. وقال الامام الصادق (ع) من مات منكم على هذا الأمر انه من أهل الجنة ان الله تعالى يقول (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ).
١٠٤ ـ ١٠٧ ـ ثم أمر سبحانه نبيّه (ص) بالبراءة عن كل معبود سواه فقال (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) أحقّ هو أم لا (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) لشككم في ديني (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) أي يقدر على إماتتكم ، وهذا يتضمن تهديدا لهم لأن وفاة المشركين ميعاد عذابهم. وقيل : كيف قال : في شك من ديني مع اعتقادهم بطلان دينه؟ فجوابه من وجوه (أحدها) أن يكون التقدير : من كان شاكا في أمري فهذا حكمه (والثاني) أنهم في حكم الشاك للاضطراب الذي يجدونه في أنفسهم عند ورود الآيات (والثالث) أن فيهم من كان شاكا فغلب ذكرهم (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي وأمرني ربّي أن أكون من المصدقين بالتوحيد ، وإخلاص العبادة له (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ) هذا عطف على ما قبله فكأنه قال : وقيل لي : وأقم وجهك (لِلدِّينِ) أي استقم في الدين باقبالك على ما أمرت به من القيام باعباء الرسالة ، وتحمل أمر الشريعة بوجهك (حَنِيفاً) أي مستقيما في الدين (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) هذا نهي عن الاشراك مع الله سبحانه غيره في العبادة (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ) ان اطعته (وَلا يَضُرُّكَ) ان عصيته وتركته ، أي لا تدعه إلها كما يدعو المشركون الأوثان آلهة (فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) معناه : فإن خالفت ما أمرت به من عبادة غير الله كنت ظالما لنفسك بإدخالك الضرر الذي هو العقاب عليها ، وهذا الخطاب وإن كان متوجها إلى النبي (ص) في الظاهر فالمراد به أمته (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) معناه : وإن أحلّ الله بك ضرّا