وقوله : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) إنها أحدقت به من كل جانب كقوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) أي يصحبون النار ويلازمونها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي دائمون أبدا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) فيه وعد لأهل التصديق والطاعة بالثواب الدائم.
٨٣ ـ ثم عاد سبحانه إلى ذكر بني إسرائيل فقال (وَ) اذكروا (إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) هو مواثيق الأنبياء على أممهم ، والعهد والميثاق لا يكون إلا بالقول ، فكأنه قال : أمرناهم ووصيناهم وأكدنا عليهم (لا تَعْبُدُونَ) معناه : الأمر بأن لا تعبدوا (إِلَّا اللهَ) وحده دون ما سواه من الأنداد (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) والإحسان الذي أخذ عليهم الميثاق بأن يفعلوه إلى الوالدين هو ما فرض على أمتنا أيضا من فعل المعروف بهما ، والقول الجميل ، وخفض جناح الذل لهما ، والتحنن عليهما وقوله : (وَذِي الْقُرْبى) أي وبذي القربى أن تصلوا قرابته ورحمه (وَالْيَتامى) أي وباليتامى أن تعطفوا عليهم بالرأفة والرحمة (وَالْمَساكِينِ) أي وبالمساكين أن تؤتوهم حقوقهم التي أوجبها الله عليهم في أموالهم وقوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) هو القول الحسن الجميل ، والخلق الكريم ، وهو مما إرتضاه الله وأحبّه ، وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي أدوها بحدودها الواجبة عليكم (وَآتُوا الزَّكاةَ) أي أعطوها أهلها كما أوجبها الله عليكم (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) أي أعرضتم (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) أخبر الله سبحانه عن اليهود أنهم نكثوا عهده ، ونقضوا ميثاقه وخالفوا أمره ، وتولوا عنه معرضين إلا من عصمه الله منهم.
٨٤ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) أي ميثاق أسلافكم الذين كانوا في زمن موسى والأنبياء الماضين ، وإنما أضاف الميثاق إليهم لما كانوا أخلافا لهم على ما سبق الكلام فيه ، وقوله : (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) معناه لا يقتل بعضكم بعضا ، لأن في قتل الرجل منهم الرجل قتل نفسه إذا كانت ملتهما واحدة ودينهما واحدا (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) لا يخرج بعضكم بعضا من دياركم بأن تغلبوا على الدار (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أقررتم بذلك وأنتم شاهدون على من تقدمكم بأخذنا منهم الميثاق.
٨٥ ـ (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) يا معشر يهود بني إسرائيل بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم أن لا تسفكوا دماءكم ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) أي يقتل بعضكم بعضا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) أي متعاونين عليهم في اخراجكم إياهم (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) أي وأنتم مع قتلكم من تقتلون منكم إذا وجدتم أسيرا في أيدي غيركم من أعدائكم تفدونهم ، وقتلكم إياهم ، وإخراجكموهم من ديارهم حرام عليكم ، كما أن تركهم أسرى في أيدي عدوهم حرام عليكم ، فكيف تستجيزون قتلهم ولا تستجيزون ترك فدائهم من عدوهم وهما جميعا في حكم اللازم لكم فيهم سواء؟.
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) الذي فرضت عليكم فيه فرائضي ، وبينت لكم فيه حدودي ، وأخذت عليكم بالعمل بما فيه ميثاقي ، فتصدقون به فتفادون أسراكم من أيدي عدوهم ، وتكفرون ببعضه فتجحدونه فتقتلون من حرمت عليكم قتله من أهل دينكم وقومكم ، وتخرجونهم من ديارهم وقد علمتم أن الكفر منكم ببعضه نقض منكم لعهدي وميثاقي وقوله : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) هو أخذ الجزية منهم ما أقاموا على ذمتهم على وجه الذل ثم أعلم سبحانه أن ذلك غير مكفر عنهم ذنوبهم ، وأنهم صائرون بعده إلى عذاب عظيم فقال (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) أي إلى أشد العذاب الذي أعده الله لأعدائه وهو