يتخذ صديقة فيزني بها (فَإِذا أُحْصِنَ) معناه : فإذا زوجن فاحصنهن أزواجهن ، وهو بمعنى تزوجن (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ) أي زنين (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) أي نصف ما على الحرائر من حد الزنا ، وهو خمسون جلدة ، نصف حد الحرة و (ذلِكَ) إشارة إلى نكاح الأمة عند عدم الطول (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) يعني الزنا ، وهو أن يخاف أن تحمله شدة الشبق على الزنا فيلقى الحد في الدنيا ، والعذاب في الآخرة (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) معناه : وصبركم عن نكاح الإماء وعن الزنا خير لكم (وَاللهُ غَفُورٌ) لذنوب عباده (رَحِيمٌ) بهم.
٢٦ ـ ٢٨ ـ ثم بيّن تعالى بعد التحليل والتحريم انه يريد بذلك مصالحنا ومنافعنا ، فقال الله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) أحكام دينكم ودنياكم ، وأمور معاشكم ومعادكم (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يهديكم إلى طريق الذين كانوا من قبلكم من أهل الحق والباطل لتكونوا مقتدين بهم ، متبعين آثارهم لما لكم فيه من المصلحة (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي يريد التوبة عليكم بالدعاء إليها والحثّ عليها (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) مرّ تفسيره (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) يريد أن يوفقكم للتوبة ، ويقوي دواعيكم إليها (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) المعني بذلك جميع المبطلين فإن كل مبطل متبع شهوة نفسه في باطله (أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) أي تعدلوا عن الإستقامة عدولا بينا بالإستكثار من المعصية ، وذلك أن الإستقامة هي المؤدية إلى الثواب والفوز من العقاب ، والميل عنها يؤدي إلى الهلاك واستحقاق العذاب وإنما قال تعالى : (مَيْلاً عَظِيماً) ، لأن العاصي يأنس بالعاصي كما يأنس المطيع بالمطيع ويسكن الشكل إلى الشكل ويألف به ، ولأن العاصي يريد مشاركة الناس إياه في المعصية ليسلم عن ذمهم وتوبيخهم ، ونظيره قوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) ، ودوا لو تكفرون كما كفروا وعلى هذا جبلت القلوب (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) يعني في التكليف في أمر النساء ، والنكاح باباحة نكاح الإماء (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) يستميله هواه وشهواته ويستشيطه خوفه وحزنه.
٢٩ ـ ٣٠ ـ لما بيّن سبحانه تحريم النساء على غير الوجوه المشروعة ، عقبّه بتحريم الأموال في الوجوه الباطلة فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا الله ورسوله (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ) ذكر الأكل وأراد سائر التصرفات وإنما خصّ الأكل لأنه معظم المنافع (بِالْباطِلِ) إنه الربا والقمار والبخس والظلم (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) أي مبايعة ، ثم وصف التجارة فقال : (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي يرضى كل واحد منكما بذلك (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) فيه عدة أقوال «احدها» ان معناه : لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أهل دين واحد ، وأنتم كنفس واحدة كقوله : سلّموا على أنفسكم (وثانيها) انه نهى الإنسان عن قتل نفسه في حال غضب أو ضجر (وثالثها) ان معناه : لا تقتلوا أنفسكم بأن تهلكوها بارتكاب الآثام (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أي لم يزل بكم رحيما ، وكان من رحمته أن حرّم عليكم قتل الأنفس ، وافساد الأموال (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) إشارة إلى أكل الأموال بالباطل ، وقتل النفس بغير حق (عُدْواناً وَظُلْماً) العدوان : تجاوز ما أمر الله به ، والظلم : أن يأخذه على غير وجه الإستحقاق (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) أي نجعله صلي نار ونحرقه بها (وَكانَ ذلِكَ) أي إدخاله النار وتعذيبه فيها (عَلَى اللهِ) سبحانه (يَسِيراً) هيّنا لا يمنعه منه مانع ، ولا يدفعه عنه دافع ، ولا يشفع عنده إلّا بإذنه شافع.