أحوالهم فيجزيهم على أقوالهم وأفعالهم (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) أي المتعظمين الذين يأنفون أن يكونوا اتباعا للأنبياء.
٢٤ ـ ٢٩ ـ ثم أبان سبحانه عن أحوال المشركين وأقوالهم فقال : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) أي لمشركي قريش (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) على محمد (ص) (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي أجابوا فقالوا : هذا المنزل في زعمكم هو عندنا أحاديث الأولين الكاذبة ، (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) اللام للعاقبة والمعنى : كان عاقبة أمرهم حين فعلوا ذلك أن حملوا أوزار كفرهم تامة يوم القيامة (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي ويحملون مع أوزارهم بعض أوزار الذين أضلوهم عن سبيل الله ، وأغووهم عن اتباع الحق وقوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) معناه : من غير علم منهم بذلك بل جاهلين به. عن النّبيّ (ص) أنه قال : أيما داع دعا إلى الهدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع عليه فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) أي بئس الحمل حملهم وهو ما يحملونه من الآثام ، لأنه إذا تحمل اثمه ودخل النار كان سببا ، فكيف إذا تحمله بسبب فعل غيره (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل هؤلاء المشركين بأنبيائهم من جهة التكذيب وغيره ، وهذا على سبيل التسلية لنبينا (ص) ، والوعيد لقومه (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) أي أتى أمر الله بنيانهم التي بنوها من جوانب قواعدها ، فهدمها ، عن ابن عباس قال : يعني نمرود ابن كنعان ؛ بنى صرحا طويلا ورام منه الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه ، فأرسل الله ريحا فألقت الصرح في البحر ، وخرّ عليهم الباقي ، وقال الزجاج : من القواعد يريد من أساطين البناء التي تعمده وهذا مثل ضربه الله سبحانه لاستئصالهم ولا قاعدة هناك ولا سقف والمعنى ، فأتى الله مكرهم من أصله ، أي عاد ضرر المكر عليهم وبهم ، عن الزجاج ، وهذا الوجه أليق بكلام العرب كما قالوا : أتى فلان من مأمنه ، أي أتاه الهلاك من جهة مأمنه ، وإنما أسند سبحانه الإتيان إلى نفسه من حيث كان تخريب قواعدهم من جهته (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) إنما قال : من فوقهم مع حصول العلم بأن السقف لا يكون إلّا من فوق للتوكيد كما يقال : مشيت برجلي ، وتكلمت بلساني (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أي جاءهم عذاب الاستئصال من حيث لا يعلمون ، لأنهم ظنوا أنهم على حق فكانوا لا يتوقعون العذاب ، وهذا مثل قوله : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) معناه : ثم أنه تعالى مع ذلك يذلهم ويفضحهم يوم القيامة على رؤوس الخلائق ، ويهينهم بالعذاب ، أي لا يقتصر بهم على عذاب الدنيا (وَيَقُولُ) على سبيل التوبيخ لهم والتهجين (أَيْنَ شُرَكائِيَ) الذين كنتم تشركونهم معي في العبادة على زعمكم (الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أي تعادونني فيهم (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بالله تعالى وبدينه وشرائعه من المؤمنين (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) أي ان الهوان اليوم ، والعذاب الذي يسوء على الجاحدين لنعم الله ، المنكرين لتوحيده وصدق رسله (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) معناه : الذين يقبض ملك الموت وأعوانه أرواحهم ففارقوا الدنيا وهم ظالمون لأنفسهم بإصرارهم على الكفر (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) أي استسلموا للحق وانقادوا حين لا ينفعهم الانقياد والإذعان (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) أي يقولون ما كنا نعمل عند أنفسنا من سوء ، أي من معصية فكذبهم الله تعالى وقال : بلى قد فعلتم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا من المعاصي وغيرها (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) أي طبقات جهنم ودركاتها (خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) أي بئس منزل المتعظمين عن قبول الحق.