إبراهيم (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) بالعذاب والإهلاك لا إلى قومك (وَامْرَأَتُهُ) سارة بنت هاران ، ابنة عم إبراهيم (قائِمَةٌ) من وراء الستر تسمع كلام الرسل وكلام إبراهيم (فَضَحِكَتْ) تعجبا وسرورا من البشارة بإسحاق لأنها كانت قد هرمت ، وهي ابنة ثمان وتسعين سنة ، وكان قد شاخ زوجها وكان ابن مائة وعشرين ولم يرزق منها ولد في حال شبابهما (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) أي بابن يسمى إسحاق نبيا (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) يعني ومن بعد إسحاق يعقوب والوراء : ولد الولد (قالَتْ) سارة (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) أي هذا شيء عجيب أن ألد وقد شخت من زوج شيخ ، ولم تشك في قدرة الله تعالى ولكن إنما قالت ذلك لكونه خارجا عن العادة (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) أي هذا الذي تعرفونه بعلي وهو شيخ (إِنَّ هذا) الذي بشرت به (لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا) أي قالت الملائكة لها حين تعجبت من أن تلد بعد الكبر (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ومعنى الاستفهام ههنا التنبيه ، أي أتعجبين من أن يفعل الله تعالى ذلك بك ولزوجك (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) أي ليس هذا موضع تعجب لأن التعجب إنما يكون من الأمر الذي لا يعرف سببه ، ونعمة الله تعالى وكثرة خيراته النامية الباقية عليكم (إِنَّهُ حَمِيدٌ) الحميد الذي يحمد عباده على الطاعات (مَجِيدٌ) أي كريم ، وهو المبتدىء بالعطية قبل الاستحقاق وقيل معناه واسع القدرة والنعمة (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) أي الخوف والفزع الذي دخله من الرسل (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) بالولد (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) أي يجادل رسلنا ويسائلهم في قوم لوط ، وتلك المجادلة أنه قال لهم إن كان فيها خمسون من المؤمنين أتهلكونهم؟ قالوا : لا قال : فأربعون؟ قالوا : لا ، فما زال ينقص ويقولون : لا حتى قال : فواحد؟ قالوا لا ، فاحتج عليهم بلوط وقال : إن فيها لوطا قالوا : نحن اعلم بمن فيها لننجينه وأهله (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ) مر معناه في سورة براءة (مُنِيبٌ) راجع إلى الله تعالى في جمع أموره ، متوكل عليه (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) هو حكاية ما قالت الملائكة لإبراهيم (ع) فإنها نادته بأن قالت : يا إبراهيم اعرض عن هذا القول وهذا الجدال في قوم لوط ، وانصرف عنه بالذكر والفكر (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) بالعذاب فهو نازل بهم لا محالة (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) يعني غير مدفوع عنهم ، أي لا يقدر أحد على رده عنهم.
٧٧ ـ ٨٣ ـ ثم أخبر سبحانه عن اتيان الملائكة لوطا بعد خروجهم من عند إبراهيم (ع) ، وما جرى بينهم وبين قوم لوط فقال (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) أي لما جاؤه في صفة الآدميين (سِيءَ بِهِمْ) أي ساءه مجيئهم لأنه خاف عليهم من قومه (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي ضاق بمجيئهم ذرعه : أي قلبه لما رأى لهم من جمال الصورة وحسن الشارة ، وقد دعوه إلى الضيافة وقومه كانوا يسارعون إلى أمثالهم بالفاحشة وقيل معناه : ضاق بحفظهم من قومه ذرعه حيث لم يجد سبيلا إلى حفظهم ، وكان قد علم عادة قومه من الميل إلى الذكور ، وقد اتوه في صورة الغلمان المرد ، وأصله ان الشيء إذا ضاق ذرعه لم يسع له ما اتسع ، فاستعار ضيق الذرع عن عذر الإمكان كما استعار الاتساع (وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) أي هائل شديد كثير الشرّ ، التف الشر فيه بالشر ، وإنما قال ذلك لأنه لم يعلم أنهم رسل الله وخاف عليهم من قومه أن يفضحونهم. ودخلوا معه منزله فلما رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة فصعدت فوق السطح فصفقت فلم يسمعوا فدخنت فلما رأوا الدخان اقبلوا يهرعون فذلك قوله (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) أي يسرعون في المشي لطلب الفاحشة (وَمِنْ قَبْلُ) أي من قبل إتيان الملائكة (كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي يعملون الفواحش مع الذكور (قالَ) لوط (يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)