يذهب عن القلوب بحلاوة الإيمان ، ونور الإسلام ، كما يذهب الصدأ بنور السيف ، وصفاء المرآة ، ولما صاروا عند أمر الله لهم بالإيمان إلى الكفر جاز أن يضيف الله سبحانه الطبع إلى نفسه كما قال : زادتهم رجسا إلى رجسهم ، وإن كانت السورة لم تزدهم ذلك ، وقيل معناه : كما دل الله لكم بالإخبار على انهم لا يؤمنون (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ) أي ما وجدنا لأكثر المهلكين (مِنْ عَهْدٍ) أي من وفاء بعهد كما يقال : فلان لا عهد له : أي لا وفاء له بالعهد ، وليس بحافظ للعهد ، ويجوز أن يكون المراد بهذا العهد ما أودع الله العقول من وجوب شكر المنعم ، وطاعة المالك المحسن ، واجتناب القبائح (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) اللام وإن للتأكيد والمعنى : وإنا وجدنا أكثرهم ناقضين للعهد ، مخلفين للوعد.
١٠٣ ـ ١٠٨ ـ ثم عطف سبحانه بقصة موسى (ع) على ما تقدّم من قصص الأنبياء (ع) فقال : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد الرسل الذين ذكرناهم ، أو من بعد الأمم الذين ذكرنا اهلاكهم (مُوسى بِآياتِنا) أي بدلائلنا وحججنا (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي أشراف قومه ، وذوي الأمر منهم (فَظَلَمُوا بِها) أي ظلموا أنفسهم بجحدها وقيل : فظلموا بوضعها غير مواضعها ، فجعلوا بدل الإيمان بها الكفر والجحود ، لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه الذي هو حقّه (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) يعني ما آل إليه أمرهم في الهلاك (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) هذه حكاية قول موسى لفرعون ، وندائه له إني رسول إليك من قبل رب العالمين ، مبعوث اليك وإلى قومك (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) معناه : حقيق بأن لا أقول على الله إلّا الحق (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ) أي بحجة ومعجزة (مِنْ رَبِّكُمْ) أي اعطانيها ربكم (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي فأطلق بني اسرائيل من عقال التسخير ، وخلّهم يرجعوا إلى الأرض المقدسة ، وذلك أن فرعون والقبط كانوا قد استعبدوا بني اسرائيل واعتقلوهم للاستخدام في الأعمال الشاقة مثل : بناء المنازل ، وحمل الماء ، ونقل التراب ، وما أشبه ذلك (قالَ) فرعون (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) أي حجة ودلالة تشهد لك على ما تقوله (فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في أنك رسول الله (فَأَلْقى عَصاهُ) الفاء فاء الجواب ، أي فكان جوابه لفرعون أن القى عصاه من يده (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) أي حية عظيمة ، إنّ العصا لما صارت حية أخذت قبة فرعون فتضرع إلى موسى بعد أن وثب من سريره وهرب منها واحدث ، وهرب الناس ، ودخل فرعون البيت وصاح : يا موسى خذها وأنا أؤمن بك ، فأخذها موسى فعادت عصا (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) قيل : إنّ فرعون. قال له : هل معك آية أخرى؟ قال : نعم ، فأدخل يده تحت ابطه ثم نزعها : أي أخرجها منه وأظهرها فإذا هي بيضاء : أي لونها أبيض نوري ، ولها شعاع يغلب نور الشمس ثم أعاد اليد إلى كمّه فعادت إلى لونها الأول.
١٠٩ ـ ١١٢ ـ ثم حكى سبحانه ما قاله اشراف قوم فرعون فقال : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ) لمن دونهم في الرتبة من الحاضرين (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) بالسحر (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) معناه : يريد أن يستميل بقلوب بني اسرائيل إلى نفسه ، ويتقوى بهم فيغلبكم بهم ، ويخرجوكم من بلدتكم (فَما ذا تَأْمُرُونَ) قيل : ان هذا قول الاشراف بعضهم لبعض على سبيل المشورة (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي قالوا لفرعون : أخرّه وأخاه هارون ولا تعجل بالحكم فيهما بشيء