المكاره التي تلحقهم (وَالْأَنْفُسِ) بالموت وقوله : (وَالثَّمَراتِ) قيل أراد ذهاب حمل الأشجار بالجوائح وقلة النبات ، وقوله : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) أي أخبرهم.
١٥٦ ـ ١٥٧ ـ ثم وصف عز اسمه الصابرين فقال (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) أي نالتهم نكبة في النفس أو المال فوطنوا أنفسهم على ذلك إحتسابا للأجر (قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) هذا إقرار بالعبودية ، أي نحن عبيد الله وملكه (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) هذا إقرار بالبعث والنشور ، أي نحن إلى حكمه نصير ، وتقديره : إنا لله ، تسليما لأمره ، ورضاء بتدبيره ، وإنا إليه راجعون ثقة بأنا نصير إلى عدله ، وانفراده بالحكم في أموره وقوله : (أُولئِكَ) إشارة إلى الذين وصفهم من الصابرين (عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي ثناء جميل من ربهم وتزكية (وَرَحْمَةٌ) أي نعمة عاجلا وآجلا (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) أي المصيبون طريق الحق في الإسترجاع.
١٥٨ ـ لمّا ذكر سبحانه إمتحان العباد بالتكليف والالزام مرة وبالمصائب والآلام أخرى ، ذكر سبحانه أن من جملة ذلك أمر الحج فقال (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) أي أنهما من أعلام متعبداته وقوله : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ) أي قصده بالأفعال المشروعة (أَوِ اعْتَمَرَ) أي أتى بالعمرة وقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ) أي لا حرج عليه (أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) عن أبي عبد الله (ع): كان ذلك في عمرة القضاء وذلك أن رسول الله (ص) شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام ، فتشاغل رجل من أصحابه حتى أعيدت الأصنام ، فقيل له : إن فلانا لم يطف وقد أعيدت الأصنام ، فنزلت هذه الآية : فلا جناح عليه أن يطوف بهما ، أي والأصنام عليهما ، فكان الناس يسعون والأصنام على حالها ، فلما حج النبي (ص) رمى بها ، وقوله : (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ) أي مجازيه على ذلك وقوله : (عَلِيمٌ) بما تفعلونه من الأفعال فيجازيكم عليها.
١٥٩ ـ ثم حثّ الله سبحانه على إظهار الحق وبيانه ، ونهى عن إخفائه وكتمانه فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) أي يخفون (ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) أي من الحجج المنزلة في الكتب (وَالْهُدى) أي الدلائل (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) يعني في التوراة والإنجيل من صفته (ع) ومن الأحكام (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ) أي يبعدهم من رحمته بإيجاب العقوبة (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) الملائكة والمؤمنون لقوله سبحانه : (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
١٦٠ ـ ثم استثنى الله سبحانه في هذه الآية من تاب وأصلح فقال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) أي ندموا على ما قدموا (وَأَصْلَحُوا) نياتهم فيما يستقبل من الأوقات (وَبَيَّنُوا) ما كتموه من البشارة بالنبي (ص) (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أي أقبل توبتهم (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) هذه اللفظة للمبالغة اما لكثرة ما يقبل التوبة ، واما لأنه لا يرد تائبا منيبا أصلا ، ووصفه سبحانه نفسه بالرحيم عقيب قوله التواب يدل على إن إسقاط العقاب عند التوبة تفضل من الله سبحانه ورحمة من جهته على ما قاله أصحابنا.
١٦١ ـ ١٦٢ ـ لما بين سبحانه حال من كتم الحق ، وحال من تاب منهم ، عقّبه بحال من يموت من غير توبة منهم أو من الكفار جميعا فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) أي ماتوا مصرين على الكفر (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) أي إبعاده من رحمته وعقابه (وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) لأنه لا يمتنع أحد من لعن الظالمين فيدخل في ذلك الكافر لأنه ظالم ، واللعنة إنما تكون من الناس على وجه الدعاء ، ومن الله على وجه الحكم وقوله : (خالِدِينَ فِيها) أي دائمين فيها أي في النار وقوله : (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) أي يكون عذابهم على وتيرة واحدة فلا يخفف أحيانا ويشتد أحيانا (وَلا هُمْ