حصل في رحمها وكان خفيفا (فَمَرَّتْ بِهِ) أي استمرت بالحمل على الخفة تقوم وتقعد ، وتجيء وتذهب كما كانت من قبل ، لم يمنعها ذلك الحمل عن شيء من التصرف (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) أي صارت ذات ثقل والمعنى : لما كبر الحمل في بطنها وتحرّك ، وصارت ثقيلة به (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) يعني آدم وحواء سألا الله تعالى عند كبر الولد في بطنها (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) أي اعطيتنا ولدا صالحا وقيل : نسلا صالحا : أي معافى سليما صحيح الخلقة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لنعمتك علينا (فَلَمَّا آتاهُما) الله (صالِحاً) كما التمساه (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) الضمير الذي في جعلا يرجع إلى النفس وزوجها من ولد آدم لا إلى آدم وحواء عن الحسن وقتادة ، وهو قول الأصم قال : ويكون المعنى في قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : خلق كل واحد منكم من نفس واحدة ، ولكل نفس زوج هو منها أي من جنسها كما قال سبحانه : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) ، فلما تغشى كل نفس زوجها حملت حملا خفيفا وهو ماء الفحل ، فلما اثقلت بمصير ذلك الماء لحما ودما وعظما دعا الرجل والمرأة ربهما لئن آتيتنا صالحا : أي ذكرا سويا لنكونن من الشاكرين ، وكانت عادتهم أن يئدوا البنات ، فلما آتاهما ـ يعني الأب والأم ـ صالحا جعلا له شركاء فيما أتاهما ، لأنهم كانوا يسمّون عبد العزى ، وعبد اللات ، وعبد منات ، ثم رجعت الكناية إلى جميعهم في قوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فالكناية في جميع ذلك غير متعلقة بآدم وحواء ولو كانت متعلقة بهما لقال : عما يشركان (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) توبيخ وتعنيف للمشركين بأنهم يعبدون مع الله تعالى جمادا لا يخلق شيئا من الأجسام ، ولا ما يستحقّ به العبادة (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) أي ويشركون به ويعبدون من لا يستطيع نصر عابديه ولا نصر نفسه بأن يدفع عن نفسه من أراد به الضرّ ، ومن هذه صورته فهو في غاية العجز فكيف يكون إلها معبودا؟ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ) معناه : إن دعوتم المشركين الذين أصرّوا على الكفر إلى دين الحق لم يؤمنوا ، وهو نظير قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) أي سواء عليكم دعاؤهم والسكوت عنهم.
١٩٤ ـ ١٩٥ ـ ثم أتمّ سبحانه الحجة على المشركين بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني الأصنام ، يريد تدعونهم آلهة (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) أي مخلوقة أمثالكم وقيل : مملوكون أمثالكم (فَادْعُوهُمْ) هذا الدعاء ليس الدعاء الأول والمراد به : فادعوهم في مهماتكم ، ولكشف الأسواء عنكم (فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) هذه لام الأمر على معنى التعجيز والتهجين كما قال : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قال ابن عباس : معناه : فاعبدوهم هل يثيبونكم أو يجازونكم إن كنتم صادقين إن لكم عندها منفعة وثوابا ، أو شفاعة ونصرة ، ثم فضّل سبحانه بني آدم عليهم فقال : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) أي لهؤلاء الأصنام أرجل يمشون بها في مصالحكم (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) أي يأخذون بها في الدفع عنكم ومعنى البطش : التناول والأخذ بشدة (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) أي ليس لهم هذه الحواس ولكم هذه الحواس ، فأنتم افضل منهم ، فلو دعوتم وعبدتم من له الحياة ومنافعها للزمكم الذم واللوم بذلك لأنها مخلوقة مربوبة ، فكيف تعبدون من أنتم أفضل منه؟! ثم زاد سبحانه في تهجينهم فقال : (قُلِ) يا محمد (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي هذه الأوثان التي تزعمون أنها آلهة ، وتوجهون عبادتكم إليها (ثُمَّ كِيدُونِ) باجمعكم (وَلا تُنْظِرُونِ) أي لا تؤخّروني ومعناه : أن معبودي ينصرني ويدفع كيد الكائدين عني ، ومعبودكم لا