جاؤوا لطلبه من الميرة وكال لهم الطعام الذي جاؤوا لأجله ، وجعل لكل منهم حمل بعير (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) معناه : أمر حتى جعل الصاع في متاع أخيه ، وإنما أضاف ذلك إليه لوقوعه بأمره (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) أي نادى مناد مسمعا معلما (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أي القافلة (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) إنما قال ذلك بعض من فقد الصاع من قوم يوسف من غير أمره ولم يعلم بما أمر به يوسف من جعل الصاع في رحالهم (قالُوا) أي قال أصحاب العير (وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) أي على أصحاب يوسف (ما ذا تَفْقِدُونَ) أي ما الذي فقدتموه من متاعكم (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) أي صاعه وسقايته (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) أي وقال المنادي : من جاء بالصاع فله حمل بعير من الطعام (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي كفيل ضامن (قالُوا) أي قال أخوة يوسف (تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ) أيها القوم (ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) قط ، وإنما أضافوا العلم إليهم بذلك مع انهم لم يعلموه لأن معنى هذا القول انكم قد ظهر لكم من حسن سيرتنا ومعاملتنا معكم مرة بعد أخرى ما تعلمون به أنه ليس من شأننا السرقة (قالُوا فَما جَزاؤُهُ) أي قال الذين نادوهم فما جزاء السارق (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) في قولكم : إنا لم نسرق ، وظهرت السرقة (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) أي قال إخوة يوسف جزاء السارق الرق ومعناه : ان السنة في بني إسرائيل كانت استرقاق السارق عن السدي وابن إسحاق والجبائي ، وكان يسترق سنة وقيل : كان حكم السارق في آل يعقوب أن يستخدم ويسترق على قدر سرقته وفي دين الملك الضرب والضمان عن الضحاك وقيل ان يوسف سألهم ما جزاء السارق عندكم فقالوا أن يؤخذ بسرقته (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) أي مثل ما ذكرنا من الجزاء (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) أي بدأ يوسف في التفتيش بأوعيتهم لإزالة التهمة (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها) يعني السقاية (مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) وإنما بدأ بأوعيتهم لأنه لو بدأ بوعاء أخيه لعلموا أنه هو الذي جعلها فيه (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) أي مثل ذلك الكيد أمرنا يوسف ليكيد بما يتهيأ له أن يحبس أخاه ليكون ذلك سببا لوصول خبره إلى أبيه ، أي ألهمنا يوسف هذا الكيد والحيلة فجازيناهم على كيدهم بيوسف ، أي كما فعلوا في الإبتداء فعلنا بهم (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي ما كان يمكنه أن يأخذ أخاه في حكم الملك وقضائه وأن يحبسه إذ لم يكن ذلك من حكم ملك مصر وأهله (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) بالعلم والنبوة كما رفعنا درجة يوسف على إخوته (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يعني أن كل عالم فإن فوقه عالما أعلم منه حتى ينتهي إلى الله تعالى العالم بجميع المعلومات لذاته فيقف عليه ولا يتعداه.
٧٧ ـ ٨٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن أخوة يوسف أنهم قالوا ليوسف (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ) ابن يامين (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ) من أمه (مِنْ قَبْلُ) فليست سرقته بأمر بديع فإنه اقتدى بأخيه يوسف قيل : إن عمة يوسف كانت تحضنه بعد وفاة أمه وتحبه حبا شديدا ، فلما ترعرع أراد يعقوب أن يسترده منها وكانت أكبر ولد إسحاق ، وكانت عندها منطقة إسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر ، فاحتالت وجاءت بالمنطقة وشدتها على وسط يوسف وادعت أنه سرقها ، وكان من سنتهم استرقاق السارق فحبسته بذلك السبب عندها عن ابن عباس والضحاك والجبائي ، وقد روي ذلك عن أئمتنا عليهمالسلام ، وقيل : انه سرق صنما لجده من قبل أمه فكسره (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) أي فأخفى يوسف تلك الكلمة التي قالوها (وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) أي لم يظهرها (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) في السرق لأنكم سرقتم أخاكم من أبيكم (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) أي والله أعلم أسرق أخ له أم لا