وغير ذلك مما يوجب الاعتبار به (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) أي ليتفكروا فيها فيعملوا الحق (وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) أي وما يزداد هؤلاء الكفار عند تصريف الأمثال والدلائل لهم إلّا تباعدا عن الإعتبار ، ونفورا عن الحق (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين (لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) هم (إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) أي لطلبوا طريقا يقربهم إلى مالك العرش ، والتمسوا الزلفة عنده لعلمهم بعلوّه عليهم وعظمته وقال أكثر المفسرين معناه : لطلبوا سبيلا إلى مالك العرش ومغالبته ومنازعته ، فإن المشتركين في الإلهية يكونان متساويين في صفات الذات ويطلب أحدهما مغالبة صاحبه ليصفو له الملك. ثم نزّه سبحانه نفسه من أن يكون له شريك في الإلهية فقال (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ) أي عن قولهم (عُلُوًّا كَبِيراً) إن صفاته في أعلى المراتب ولا مساوي له فيها لأنه قادر لا أحد أقدر منه ، وعالم لا أحد أعلم منه ، وخصّ العرش باضافته إليه تعظيما للعرش ، ويجوز أن يريد بالعرش الملك (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) معنى التسبيح ههنا الدلالة على توحيد الله وعدله ، وأنه لا شريك له في الإلهية ، وجرى ذلك مجرى التسبيح باللفظ ، وربما يكون التسبيح من طريق الدلالة أقوى لأنه يؤدي إلى العلم (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) أي ليس شيء من الموجودات إلّا ويسبح بحمد الله تعالى من جهة خلقته ، إذ كل موجود سوى القديم حادث (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) أي لا تعلمون تسبيح هذه الأشياء حيث لم تنظروا فيها فتعلموا كيف دلالتها على توحيده (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) يمهلكم ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفركم (غَفُوراً) لكم إذا تبتم إليه.
٤٥ ـ ٤٨ ـ (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) يا محمد (جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وهم المشركون (حِجاباً مَسْتُوراً) قال الكلبي : وهم أبو سفيان والنضر بن الحرث وأبو جهل وأم جميل امرأة أبي لهب حجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن ، وكانوا يأتونه ويمرون به ولا يرونه وقيل : حجابا مستورا عن الأعين لا يبصر ، إنما هو من قدرة الله تعالى حجب نبيّه بحجاب لا يرونه ولا يراه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقيل : إن المعنى في الآية : جعلنا بينك وبينهم حجابا : بمعنى : باعدنا بينك وبينهم بالقرآن ، فهو لك وللمؤمنين معك شفاء وهدى ، وهو للمشركين في آذانهم وقر ، وعليهم عمى ، فهذا هو الحجاب ، عن أبي مسلم (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) مرّ تفسيره في سورة الأنعام (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) معناه : وإذا ذكرت الله بالتوحيد وأبطلت الشرك (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) أي اعرضوا عنك مدبرين نافرين ، والمعني بذلك كفار قريش وقيل : هم الشياطين ، عن ابن عباس ، وقيل معناه : إذا سمعوا بسم الله الرحمن الرحيم ولّوا ، وقيل : إذا سمعوا قول لا إله إلا الله (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) معناه : ليس يخفى علينا حال هؤلاء المشركين وغرضهم في الإستماع اليك وقد علمنا سبب استماعهم (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) أي متناجون ، والمعنى : انا نعلمهم في حال ما يصغون إلى سماع قراءتك ، وفي حال ما يقومون من عندك ويتناجون فيما بينهم فيقول بعضهم : هو ساحر ، وبعضهم هو كاهن ، وبعضهم هو شاعر ، وقيل : يعني به أبا جهل ، وزمعة بن الأسود ، وعمرو بن هشام ، وحويطب ابن عبد العزى ، اجتمعوا وتشاوروا في أمر النبي (ص) فقال أبو جهل : هو مجنون وقال زمعة : هو شاعر وقال حويطب : هو كاهن ، ثم أتوا الوليد بن المغيرة وعرضوا ذلك عليه فقال : هو ساحر (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) قد سحر فاختلط عليه أمره ، وإنما يقولون ذلك للتنفير منه ثم قال سبحانه على وجه التعجيب (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي شبّهوا لك الأشياء فقالوا : مجنون وساحر وشاعر (فَضَلُّوا) بهذا القول عن الحق (فَلا يَسْتَطِيعُونَ