في أمور الدنيا (الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) أي أنزل عليه. ويروى أن النبي (ص) قال لأصحابه : أيّ الخلق أعجب إيمانا؟ قالوا : الملائكة ، فقال : الملائكة عند ربهم فما لهم لا يؤمنون ، قالوا : فالنّبيّون ، قال : النّبيون يوحى اليهم فما لهم لا يؤمنون ، قالوا : فنحن يا نبيّ الله ، قال : أنا فيكم فما لكم لا تؤمنوا ، إنما هم قوم يكونون بعدكم يجدون كتابا في ورق فيؤمنون به ، فهو معنى قوله : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الظافرون بالمراد ، الناجون من العقاب ، الفائزون بالثواب.
١٥٨ ـ ثم أمر الله سبحانه نبينا أن يخاطب جميع الخلق من العرب والعجم فقال : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ) أرسلني (إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) ادعوكم إلى توحيده وطاعته واتباعي فيما أؤدّيه اليكم ، وإنما ذكر جميعا للتوكيد ، وليعلم أنه مبعوث إلى الكافة (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معناه : الذي له التصرف في السماوات والأرض من غير دافع ومنازع (لا إِلهَ) أي لا معبود (إِلَّا هُوَ) ولا شريك له في الإلهية (يُحيِي) الأموات (وَيُمِيتُ) الأحياء ، لا يقدر أحد على الإحياء والإماتة سواه ، لأنه لو قدر أحد على الإماتة لقدر على الإحياء ، فإن من شأن القادر على الشيء أن يكون قادرا على ضده (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ) يعني لم يأمركم بالإيمان حتى آمن هو أولا ، وعليه زيادة التكليف من أداء الرسالة ، وبيان الشرائع ، والقيام بالدعوة (وَكَلِماتِهِ) أي يؤمن بكلماته من الكتب المتقدمة ، والوحي والقرآن (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لكي تهتدوا إلى الثواب والجنة.
١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ثم عاد الكلام إلى قصة بني إسرائيل فقال سبحانه : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أي جماعة يدعون إلى الحق ويرشدون إليه (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) أي وبالحق يحكمون ، ويعدلون في حكمهم إنهم قوم من بني إسرائيل تمسّكوا بالحق وبشريعة موسى (ع) في وقت ضلالة القوم وقتلهم انبياءهم ، وكان ذلك قبل نسخ شريعتهم بشريعة عيسى (ع) ، فيكون تقدير الآية : ومن قوم موسى أمة كانوا يهدون بالحق. وفي حديث أبي حمزة الثمالي والحكم بن ظهير : ان موسى لما أخذ الألواح قال : ربي اني لأجد في الألواح أمة هي خير أمة اخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فاجعلهم أمتي ، قال تلك أمة محمد ، قال : ربي إني لأجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق ، السابقون في دخول الجنة ، فاجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة أحمد ، قال : ربي إني لأجد في الألواح أمة كتبهم في صدورهم يقرأونها فاجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة أحمد ... قال ربي اجعلني من أمة أحمد (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) أي وفرقنا بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة اسباطا ، بعني أولاد يعقوب (ع) فإنهم كانوا اثني عشر ، وكان لكل واحد منهم أولاد ونسل ، فصار كل فرقة منهم سبطا وأمة (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) أي طلبوا منه السقيا (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ) الانبجاس : خروج الماء الجاري بقلة ، والانفجار : خروجه بكثرة ، وكان يبتدىء الماء من الحجر بقلة ثم يتسع إلى الكثرة ، فلذلك ذكر ههنا الانبجاس ، وفي سورة البقرة الإنفجار. والآية إلى آخرها مفسّرة هناك.
١٦١ ـ ١٦٢ ـ (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) أي اين شئتم (وَقُولُوا حِطَّةٌ) معناه : حطّ