١٦٧ ـ ١٦٨ ـ ثم خاطب سبحانه النبي فقال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) معناه : واذكر يا محمد إذ أذن واعلم ربك (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ) أي على اليهود (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) أي من يذيقهم ويوليهم شدة العذاب بالقتل وأخذ الجزية منهم (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) لمن يستوجبه على الكفر والمعصية (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ظاهر المعنى ، وإنما قال : سريع العقاب وإن كان العقاب مؤخرا إلى يوم القيامة ، لأن كل آت فهو قريب (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) معناه : وفرّقناهم في البلاد فرقا مختلفة ، وجماعات شتى ، يعني اليهود. ثم أخبر سبحانه عنهم فقال : (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) أي من هؤلاء الصالحون ، يعني من بني إسرائيل ، وهم الذين يؤمنون بالله ورسله ويطيعونه (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) أي دون الصالح في الدرجة والمنزلة وهم الذين امتثلوا بعض الأوامر دون بعض ، وعملوا بعض المعاصي ، وإنما وصفهم بما كانوا عليه قبل ارتدادهم وكفرهم وذلك قبل ان يبعث فيهم عيسى (ع) (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) معناه : اختبرناهم بالرخاء في العيش ، والخفض في الدنيا ، والدعة والسعة في الرزق وبالشدائد في العيش ، والمصائب في الأنفس والأموال ، فإن فعل النعم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في ارتباطها ، وفعل النقم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في كشفها (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لكي يرجعوا إلى الله تعالى ، وينيبوا إلى طاعته وامتثال أمره.
١٦٩ ـ ١٧٠ ـ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) معناه : فذهب أولئك وقام مقامهم قوم آخرون ورثوا الكتاب : يعني التوراة ، فإن الميراث ما صار للباقي من جهة البادي (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) معناه : ما أشرف لهم من الدنيا أخذوه (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) وهذا اخبار عن حرصهم على الدنيا ، واصرارهم على الذنوب ، اذا أشرف لهم شيء من الدنيا أخذوه حلالا كان أو حراما ، ويتمنون على الله المغفرة (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) أي وإن وجدوا من الغد مثله أخذوه. وهذا دليل على اصرارهم ، وأنهم تمنوا المغفرة مع الإصرار (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) معناه : ألم يؤخذ على هؤلاء المرتشين في الأحكام ، القائلين : سيغفر لنا إذا عوتبوا على ذلك الميثاق في التوراة : ان لا يكذبوا على الله تعالى ، ولا يضيفوا إليه إلّا ما أنزله على رسوله موسى (ع) في التوراة من الوعد والوعيد وغير ذلك ، وليس فيها ميعاد المغفرة مع الإصرار (وَدَرَسُوا ما فِيهِ) أي قرأوا ما فيه فهم ذاكرون ذلك والمعنى : فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ، ودرسوا ما فيه فضيّعوه ، وتركوا العمل به (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) معناه : ما أعدّه الله لأوليائه في الدار الآخرة من النعيم ، والثواب للعاملين بطاعته خير للذين يجتنبون معاصي الله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) معناه : قل لهم : أفلا تعقلون أن الأمر على ما أخبر الله به (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) أي يتمسكون به ، والكتاب : التوراة ، أي لا يحرفونه ، ولا يكتمونه عن مجاهد وابن زيد ، وقيل : الكتاب القرآن ، والمتمسك به أمة محمد (ص) (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) إنما خصّ الصلاة بالذكر لجلالة موقعها ، وشدة تأكّدها (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) أي لا نضيع جزاء عملهم ، ونثيبهم على ما يستحقّونه.
١٧١ ـ عاد الكلام إلى قوم موسى (ع) فقال سبحانه : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) معناه : واذكر يا محمد إذ قلعنا الجبل من أصله فرفعناه فوق بني إسرائيل ، وكان عسكر موسى (ع) فرسخا في فرسخ فرفع الله الجبل فوق جميعهم (كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) أي غمامة (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) أي علموا وأيقنوا (خُذُوا) أي وقلنا لهم خذوا (ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) أي خذوا ما الزمناكم من