الكافرين (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي نسكننكم أرضهم من بعدهم ، يريد اصبروا فإني أهلك عدوكم ، وأورثكم أرضهم (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي) أي ذلك الفوز لمن خاف وقوفه للحساب والجزاء بين يديّ في الموضع الذي أقيمه فيه (وَخافَ وَعِيدِ) أي عقابي (وَاسْتَفْتَحُوا) أي طلبت الرسل الفتح والنصر من قبل الله تعالى على الكفار (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي خسر كل متكبر معاند ، مجانب للحق دافع له (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي جهنم بين يدي هذا الجبار ، أي له مع الخيبة نار جهنم بين يديه (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) أي ويسقى مما يسيل من الدم والقيح من فروج الزواني في النار عن أبي عبد الله (ع) وأكثر المفسّرين ، وقال رسول الله (ص): من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما ، فإن مت وفي بطنه شيء من ذلك كان حقا على الله أنيسقيه من طينة خبال ، وهو صديد أهل النار ، وما يخرج من فروج الزناة فيجتمع ذلك في قدور جهنم فيشربه أهل النار ، فيصهر به ما في بطونهم والجلود. رواه شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام عنه (ص) (يَتَجَرَّعُهُ) أي يشرب ذلك الصديد جرعة جرعة (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) أي لا يقارب أن يشربه تكرها له وهو يشربه والمعنى : ان نفسه لا تقبل لحرارته ونتنه ولكن يكره عليه (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أي تأتيه شدائد الموت وسكراته من كل موضع من جسده ظاهره وباطنه حتى تأتيه من أطراف شعره (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) أي ومع إتيان أسباب الموت والشدائد التي يكون معها الموت من كل جهة ، وأنواع العذاب التي كان يموت بدونها في الدنيا لا يموت فيستريح ، وهذا كقوله : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (وَمِنْ وَرائِهِ) أي وراء هذا الكافر (عَذابٌ غَلِيظٌ) وهو الخلود في النار ثم أخبر سبحانه عما ينال الكفار من الحسرة فيما تكلفوه من الأعمال فقال : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) معناه : مثل أعمال الذين كفروا بربهم ، فحذف المضاف اعتمادا على ذكره بعد المضاف إليه (أَعْمالُهُمْ) في قلة انتفاعهم بها (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) أي ذرته ونسفته (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) أي شديد الريح ، فكما لا يقدر أحد على جمع ذلك الرماد المتفرق والإنتفاع به ، فكذلك هؤلاء الكفار (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) أي لا يقدرون على الإنتفاع بأعمالهم (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) يعني أن عملهم ذلك هو الذهاب البعيد عن النفع.
١٩ ـ ٢١ ـ ثم بيّن سبحانه أنه إنما خلق الخلق ليعبدوا وليؤمنوا به لا ليكفروا فقال : (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم ، لأن الرؤية قد تكون بمعنى العلم كما تكون بمعنى الإدراك للبصر (أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) على ما تقتضيه الحكمة ، والخلق : فعل الشيء على تقدير وترتيب (بِالْحَقِ) أي للغرض الصحيح (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أي ان يشأ يهلككم ويفنكم ويخلق قوما آخرين مكانكم ، لأن من قدر على بناء الشيء كان على هدمه أقدر (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي وما اهلاككم والإتيان بخلق جديد بممتنع ولا متعذر على الله تعالى (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) أخبر سبحانه أن الخلق يبرزون يوم القيامة لله ، أي يظهرون من قبورهم ويخرجون منها لحكم الله. لما تقدّم ذلك الوعيد بيّن صفة ذلك اليوم وما يجري بين الأتباع والمتبوعين من المجادلة وقال (فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) أي تكبروا عن الإيمان فلم يؤمنوا وهم القادة في الدنيا الذين هم الأكابر والرؤساء ، والقادة في الدين الذين هم علماء السوء (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) في الكفر على وجه التقليد (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي هل أنتم دافعون عنا شيئا من عذاب الله الذي قد نزل بنا ان لم تقدروا على دفع الكل ، ومن للتبعيض (قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) أي قال المتبوعون للأتباع لو هدانا الله