أو زوجة خليفة الملك ، فخلطها بالنسوة ، وقيل : انه أرادهنّ دونها لأنهنّ الشاهدات له عليها ، ألا ترى أنها قالت : الآن حصحص الحق ، وهذا يدل على أن النسوة كن ادعين عليه نحو ما ادعته امرأة العزيز (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) أي أن الله عالم بكيدهن ، قادر على إظهار براءتي (قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) معناه : أن الرسول رجع إلى الملك وأخبره بما قاله يوسف (ع) ، فأرسل إلى النسوة ودعاهن وقال لهنّ : ما شأنكن وما أمركن إذ طلبتن يوسف عن نفسه ، ودعوتنه إلى أنفسكن (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) هذه كلمة تنزيه ، أي نزهن يوسف مما اتّهم به فقلن : معاذ الله ، وعياذا بالله من هذا الأمر ، وما علمنا عليه من سوء وخيانة ، وما فعل شيئا مما نسب إليه ، واعترفن ببراءته وبأنه حبس مظلوما (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) أي ظهر وتبيّن (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) اعترفت بالكذب على نفسها فيما اتّهم يوسف به ، وإنما حملها على الصدق انقطاع طمعها منه (ذلِكَ لِيَعْلَمَ) هذا من كلام يوسف ، أي ذلك الذي فعلت من ردّي رسول الملك إليه في شأن النسوة ليعلم الملك أو العزيز (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) في زوجته ، أي في حال غيبته عني (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) أي لا يهديهم في كيدهم ومكرهم (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) هذا من كلام يوسف عند أكثر المفسرين ، وقيل : بل هو من كلام امرأة العزيز أي ما أبرىء نفسي عن السوء والخيانة في أمر يوسف (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) أي كثيرة الأمر بالسوء ، والشهوة قد تدعو الإنسان إلى المعصية (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) أي إلّا من رحمهالله تعالى فعصمه بأن لطف له (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ) بعباده (رَحِيمٌ) بهم.
٥٤ ـ ٥٧ ـ (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) معناه : أن الملك لما تبيّن له أمانة يوسف وبراءته من السوء وعلمه أمر باحضاره فقال : ائتوني به (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أي اجعله خالصا لنفسي ، ارجع إليه في تدبير مملكتي ، واعمل على إشارته في مهمات أموري (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) عرف فضله وأمانته وعقله لأنه استدل بكلامه على عقله ، وبعفته على أمانته (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) أي انك عندنا ذو مكانة متمكن في المنزلة والقدر ، نافذ القول والأمر ، ظاهر الأمانة ، مأمون ثقة قال ابن عباس : يريد مكنتك من ملكي ، وجعلت سلطانك فيه كسلطاني ، وائتمنتك فيه. ولما وقف بباب الملك قال : حسبي ربي من دنياي ، وحسبي ربي من خلقه عزّ جاره ، وجلّ ثناؤه ، ولا إله غيره ، ولما دخل على الملك قال : اللهم إني أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بك من شرّه وشرّ غيره (قالَ) يوسف (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) يعني اجعلني على خزائن أرضك حافظا وواليا ، واجعل تدبيرها إليّ (إِنِّي حَفِيظٌ) أي حافظ لما استودعتني لحفظه عن أن تجري فيه خيانة (عَلِيمٌ) بمن يستحق منها شيئا ومن لا يستحق ، فأضعها مواضعها (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) أي ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه أقدرنا يوسف على ما يريد في الأرض ، يعني أرض مصر (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) أي يتصرف فيها حيث يشاء وينزل منها حيث يشاء (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) أي نخصّ بنعم الدين والدنيا من نشاء (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي المطيعين وقيل : إنه دعا الملك إلى الإسلام فأسلم وأسلم أيضا كثير من الناس ، فهذا في الدنيا (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) أي ثواب الآخرة (خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) لخلوصه عن الشوائب والأقذار.