أحكام كتابنا وفرائضه فاقبلوه بجدّ واجتهاد منكم في كل أوان من غير تقصير وتوان (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) من العهود والمواثيق التي أخذناها عليكم بالعمل بما فيه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي لكي تتقوا ربكم ، وتخافوا عقابه.
١٧٢ ـ ١٧٤ ـ ثم ذكر سبحانه ما أخذ على الخلق من المواثيق بعقولهم عقيب ما ذكره من المواثيق التي في الكتب ، فقال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) أي واذكر لهم يا محمد إذ أخرج ربك (مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) أي من ظهور بني آدم (ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) المراد بالآية : ان الله سبحانه أخرج بني آدم من اصلاب آبائهم إلى أرحام أمهاتهم ، ثم رقاهم درجة بعد درجة ، وعلقة ثم مضغة ، ثم أنشأ كلا منهم بشرا سويا ، ثم حيّا مكلفا ، وأراهم آثار صنعه ، ومكّنهم من معرفة دلائله حتى كأنه اشهدهم ، وقال لهم : ألست بربكم؟ فقالوا : بلى ، يكون معنى اشهدهم على انفسهم : دلّهم بخلقه على توحيده ، وإنما أشهدهم على أنفسهم بذلك لما جعل في عقولهم من الأدلة على وحدانيته ، وركب فيهم من عجائب خلقه ، وغرائب صنعته وفي غيرهم ، فكأنّه سبحانه بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم ، فكانوا في مشاهدة ذلك وظهوره فيهم على الوجه الذي اراده الله ، وتعذر امتناعهم منه بمنزلة المعترف المقرّ وإن لم يكن هناك اشهاد صورة وحقيقة وقوله : (شَهِدْنا) حكاية عن قول الملائكة أنهم يقولون ذلك ، أي شهدنا (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) معناه : لئلا يقولوا إذا صاروا إلى العذاب يوم القيامة (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) لم نتنبّه عليه ، ولم تقم لنا حجة به ، ولم تكمل عقولنا فنفكّر فيه (أَوْ تَقُولُوا) أي أو يقول قوم منهم (إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ) حين بلغوا وعقلوا (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) أي اطفالا لا نعقل ولا نصلح للفكرة والنظر والتدبر (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) ومعناه : ولأن لا تقولوا أفتهلكنا بما فعل آباؤنا من الشرك ، وتقديره : انا لا نهلككم بما فعلوه ، وإنما نهلككم بفعلكم انتم (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) معناه : انا كما بيّنا لكم هذه الآيات كذلك نفصلها للعباد ، ونبيّنها لهم؟ وتفصيل الآيات تمييزها ليتمكن من الاستدلال بكل واحدة منها (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي ليرجعوا إلى الحق من الباطل.
١٧٥ ـ ١٧٨ ـ ثم أمر سبحانه نبيه (ص) أن يقرأ عليهم قصة أخرى من أخبار بني اسرائيل فقال : (وَاتْلُ) أي واقرأ (عَلَيْهِمْ) يا محمد (نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ) أي خبر الذي اعطيناه (آياتِنا) أي حججنا وبيناتنا (فَانْسَلَخَ مِنْها) أي فخرج من العلم بها بالجهل ، كالشيء الذي ينسلخ من جلده (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) معناه : لحقه الشيطان وادركه حتى اضلّه (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) أي من الهالكين المعني به بلعام بن باعور ، وكان رجلا على دين موسى عليهالسلام ، وكان في المدينة التي قصدها موسى وكانوا كفارا (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) أي بتلك الآيات ومعناه : ولو شئنا لرفعنا منزلته بإيمانه ومعرفته قبل أن يكفر (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) أي ركن إلى الدنيا ومال إليها (وَاتَّبَعَ هَواهُ) أي وانقاد لهواه في الركون إلى الدنيا واختيارها على الآخرة. ثم ضرب له مثلا فقال : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) معناه : فصفته كصفة الكلب إن طردته وشددت عليه يخرج لسانه من فمه ، وإن تركته ولم تطرده يخرج لسانه من فمه أيضا (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) معناه : ذلك صفة الذين يكذبون بآيات الله والكتاب (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) أي فاقصص عليهم اخبار الماضين (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فيعتبرون ولا يفعلون مثل فعلهم حتى لا يحلّ بهم ما حلّ بهم. ثم وصف الله تعالى بهذا المثل