جَهَنَّمَ خالِداً فِيها) أي دائما (ذلِكَ الْخِزْيُ) أي الهوان والذل (الْعَظِيمُ).
٦٤ ـ ٦٦ ـ ثم أخبر سبحانه عنهم فقال : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) فيه قولان (أحدهما) انه اخبار بأنهم يخافوا أن يفشوا سرائرهم ويحذرون ذلك عن الحسن ومجاهد والجبائي واكثر المفسرين والمعنى : أنه يحذرون من أن ينزّل الله عليهم ، أي على النبي والمؤمنين سورة تخبر عما في قلوبهم من النفاق والشرك وقد قيل ان ذلك الحذر إنما اظهروه على وجه الإستهزاء لا على سبيل التصديق لأنهم حين رأوا رسول الله (ص) ينطق في كل شيء عن الوحي قال بعضهم لبعض احذروا ألا ينزل وحي فيكم ، يتمازحون بذلك ويضحكون ، عن أبي مسلم. وقيل : إنهم كانوا بخافون أن يكون عليهالسلام صادقا فينزل عليه الوحي فيفضحون عن الجبائي وقيل : انهم كانوا يقولون القول فيما بينهم ثم يقولون : عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا ، عن مجاهد (قُلِ اسْتَهْزِؤُا) معناه : قل يا محمد لهؤلاء المنافقين استهزئوا أي اطلبوا الهزء ، وهو وعيد بلفظ الأمر (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) أي مظهر ما تحذرون من ظهوره والمعنى : أن الله يبيّن لنبيه باطن حالكم ونفاقكم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) عن طعنهم في الدين ، واستهزائهم بالنبي (ص) وبالمسلمين (لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) واللام للتأكيد والقسم ومعناه : لقالوا كنا نخوض خوض الركب في الطريق لا على طريق الجد ولكن على طريق اللعب واللهو ، فكان عذرهم أشد من جرمهم (قُلْ) يا محمد (أَبِاللهِ وَآياتِهِ) أي حججه وبيناته وكتابه (وَرَسُولِهِ) محمد (ص) (كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) ثم أمر الله سبحانه نبيه (ص) أن يقول لهؤلاء المنافقين (لا تَعْتَذِرُوا) بالمعاذير الكاذبة (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) أي فإنكم بما فعلتموه قد كفرتم بعد أن كنتم مظهرين الإيمان الذي يحكم لمن أظهره بأنه مؤمن (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) أي كافرين مصرّين على النفاق. هذا إخبار منه سبحانه أنه ان عفا عن قوم منهم إذا تابوا يعذّب طائفة أخرى لم يتوبوا وأقاموا على النفاق.
٦٧ ـ ٧٠ ـ ثم ذكر سبحانه أحوال أهل النفاق فقال (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي بعضهم من جملة بعض ، وبعضهم مضاف إلى بعض في الاجتماع على النفاق والشرك كما يقول : أنا من فلان وفلان مني ، أي أمرنا واحد ، وكلمتنا واحدة وقيل معناه بعضهم على دين بعض عن الكلبي وقيل بعضهم من بعض على لحوق مقت الله بهم جميعا عن أبي مسلم (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) أي بالشرك والمعاصي (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) أي عن الأفعال الحسنة التي أمر الله بها وحثّ عليها (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) أي يمسكون أموالهم عن انفاقها في طاعة الله ومرضاته عن الحسن وقتادة وقيل معناه يمسكون أيديهم عن الجهاد في سبيل الله عن الجبائي (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) أي تركوا طاعته فتركهم في النار وترك رحمتهم واثابتهم عن الأصم وقيل معناه : جعلوا الله كالمنسي حيث لم يتفكروا في أن لهم صانعا يثيبهم ويعاقبهم ليمنعهم ذلك عن الكفر والأفعال القبيحة فجعلهم سبحانه في حكم المنسي عن الثواب وذكر ذلك لازدواج الكلام لأن النسيان لا يجوز عليه تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي الخارجون عن الإيمان بالله ورسوله وعن طاعته وقيل الفاسقون
__________________
من خطبة لأمير المؤمنين عليهالسلام : الحمد لله الناشر في الخلق فضله ، والباسط فيهم بالجود يده ؛ نحمده في جميع أموره ، ونستعينه على رعاية حقوقه ، ونشهد أن لا إله غيره ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، أرسله بأمره صادعا ، وبذكره ناطقا ، فأدّى أمينا ، ومضى رشيدا ، وخلّف فينا راية الحقّ ، من تقدّمها مرق ، ومن تخلّف عنها زهق ، ومن لزمها لحق. نهج البلاغة. خطبة : ٩٦.