أي نجمعهم من كل أوب إلى الموقف (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) في عبادتهم مع الله غيره (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) أي أثبتوا والزموا مكانكم أنتم مع شركائكم يعني الأوثان فقد صحبتموهم في الدنيا فاصحبوهم في المحشر (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي فميّزنا وفرّقنا بينهم في المسألة ، فسألنا المشركين على حدة لم عبدتم الأصنام؟ وسألنا الأصنام على حدة لم عبدتم وبأيّ سبب عبدتم؟ وهذا سؤال تقريع وتبكيت (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) أي يحييهم الله وينطقهم فقالوا : ما كنا نشعر بأنكم إيانا تعبدون (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي فاصلا للحكم (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) أيها المشركون (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) المراد : الأصنام فلم يكن لها حسّ ولا علم ، وهذا غاية في الزام الحجة حيث اختاروا للعبادة من لم يدعهم اليها ، ولم يشعر بها (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) أي في ذلك المكان ، وفي تلك الحال ، وفي ذلك الوقت تجرب وتعلم كل نفس ما قدّمت من خير أو شرّ وترى جزاءه (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) أي وردّوا إلى جزاء الله ، وإلى الموضع الذي لا يملك أحد فيه الحكم إلّا الله الذي هو مالكهم وسيّدهم وخالقهم ، والحق صفة لله تعالى وهو القديم الدائم الذي لا يفنى وما سواه يبطل (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي بطل وهلك عنهم ما كانوا يدعونه بافترائهم من الشركاء مع الله تعالى.
٣١ ـ ٣٣ ـ ثم قرر سبحانه أدلة التوحيد والبعث عليهم فقال (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (مَنْ يَرْزُقُكُمْ) أي من يخلق لكم الأرزاق (مِنَ السَّماءِ) بانزال المطر والغيث (وَ) من (الْأَرْضِ) باخراج النبات وأنواع الثمار. والرزق في اللغة هو العطاء الجاري ، يقال : رزق السلطان الجند ، إلّا أن كل رزق فإن الله هو الرازق به ، لأنه لو لم يطلقه على يد ذلك الإنسان لم يجىء منه شيء ، فلا يطلق اسم الرزاق إلّا على الله تعالى ، ويقيّد في غيره ، كما لا يطلق اسم الرب إلّا عليه ويقيّد في غيره ، فيقال : ربّ الدار ، وربّ الضيعة (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) معناه : أم من يملك أن يعطيكم الاسماع والأبصار فيقويها وينورها ولو شاء لسلب نورها وحسّها (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) ومن يخرج الإنسان من النطفة ، والنطفة من الإنسان (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي ومن الذي يدبّر جميع الأمور في السماء والأرض على ما توجبه الحكمة (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) أي فسيعترفون بأن الله تعالى يفعل هذه وان الأصنام لا تقدر عليها (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) أي فقل لهم عند اعترافهم بذلك أفلا تتقون عقابه في عبادة الأصنام ، وفي الآية دلالة على التوحيد (فَذلِكُمُ اللهُ) ذلك إشارة إلى اسم الله تعالى الذي وصفه في الآية الأولى بأنه الذي يرزق الخلق ، ويخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي ، والكاف والميم للمخاطبين وهم جميع الخلق ، أخبر سبحانه ان الذي يفعل هذه الأشياء (رَبُّكُمُ الْحَقُ) الذي خلقكم ، ومعبودكم الذي يحقّ له العبادة دون غيره من الأصنام والأوثان (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) المراد به : ليس بعد الذهاب عن الحق إلّا الوقوع في الضلال ، لأنه ليس بينهما واسطة ، فإذا ثبت أن عبادته هو الحق ثبت ان عبادة ما سواه باطل وضلال (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي فكيف تعدلون عن عبادته مع وضوح الدلالة على أنه لا معبود سواه (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) معناه : مثل انصرافهم عن الإيمان وجبت العقوبة لهم ، أي جازاهم ربهم بمثل ما فعلوا من الإنصراف ، وهذا في قوم علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون ، ومعناه : سبق علم ربك في هؤلاء لا يؤمنون.
٣٤ ـ ٣٦ ـ ثم احتجّ سبحانه عليهم في التوحيد باحتجاج آخر فقال (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي هل من هذه الأصنام التي جعلتموها شركاء لله في العبادة من يبدأ الخلق بالإنشاء بعد أن لم يكن وهو النشأة الأولى ، ثم يعيده في النشأة الثانية