على الماء لا وجه لحسنه إلّا أن يكون فيه لطف لمكلف يمكنه الاستدلال به ، فلا بدّ إذا من حيّ مكلف وقال علي بن عيسى : لا يمتنع أن يكون في الاخبار بذلك مصلحة للمكلفين فلا يجب ما قاله الجبائي وهو الذي اختاره المرتضى قدّس الله روحه (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) معناه : ولئن اخرنا عن هؤلاء الكفار عذاب الاستئصال إلى أجل مسمى ، ووقت معلوم والأمة المعدودة هم أصحاب المهدي (ع) في آخر الزمان ثلثمائة وبضعة عشر رجلا كعدة أهل بدر ، يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخريف ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام(لَيَقُولُنَ) على وجه الإستهزاء (ما يَحْبِسُهُ) أي أيّ شيء يؤخّر هذا العذاب عنا إن كان حقا؟ (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) أي ان هذا العذاب الذي يستبطئونه إذا نزل بهم في الوقت المقدور لا يقدر أحد على صرفه عنهم إذا أراد الله أن يأتيهم به ، ولا يتمكن من إذهابه عنهم إذا أراد الله أن يأتيهم به (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي ونزل الذي كانوا يسخرون به من نزول العذاب.
٩ ـ ١١ ـ ثم بيّن سبحانه حال الإنسان فيما قابل به نعمه من الكفر فقال (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) أي أحللنا به نعمة من الصحة والكفاية والسعة من المال والولد وغير ذلك من نعم الدنيا (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) أي سلبنا تلك النعمة عنه إذا رأينا المصلحة فيه (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) أي قنوط ، وهو الذي سنته وعادته اليأس (كَفُورٌ) وهو الذي عادته كفران النعمة ومعنى الآية مصروف إلى الكفار الذين هذه صفتهم لجهلهم بالصانع الحكيم الذي لا يعطي ولا يمنع إلا لما تقتضيه الحكمة من وجوه المصالح (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ) أي احللنا به واعطيناه (نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) أي بعد بلاء اصابته (لَيَقُولَنَ) عند نزول النعماء به (ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) أي ذهبت الخصال التي تسوء صاحبها من جهة نفور طبعه عنه ، وهو هاهنا بمعنى الشدائد والألام والأمراض (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) يفرح به ويفخر به على الناس ، فلا يصبر في المحنة ، ولا يشكر عند النعمة (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) معناه : إلا الذين قابلوا الشدة بالصبر ، والنعمة بالشكر (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي واظبوا على الأعمال الصالحة (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وهو الجنة.
١٢ ـ ١٤ ـ ثم أمر سبحانه رسوله بالثبات على الأمر ، وحثّه على حجاج القوم بما يقطع العذر فقال (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) أي ولعلك تارك بعض القرآن وهو ما فيه سبّ آلهتهم ، ولا تبلغهم إياه دفعا لشرّهم ، وخوفا منهم (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) أي ولعلك يضيق صدرك مما يقولونه ، وبما يلحقك من أذاهم وتكذيبهم (أَنْ يَقُولُوا) أي كراهة أن يقولوا ، أو مخافة أن يقولوا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) من المال (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) يشهد له (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) أي منذر (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي حفيظ ، يجلب النفع إليه ويدفع الضرر عنه (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) معناه : بل ايقولون : اختلق القرآن واخترعه ، وأتى به من عند نفسه؟ (قُلْ) يا محمد لهم (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) أي إن كان هذا مفترى على الله كما زعمتم فاتوا أنتم بعشر سور مثله في النظم والفصاحة مفتريات على زعمكم ، فإن القرآن نزل بلغتكم ، وقد نشأت أنا بين أظهركم ، فإن لم يمكنكم ذلك فاعلموا انه من عند الله تعالى ، وهذا صريح في التحدي وفيه دلالة على جهة اعجاز القرآن (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) معناه : ادعوهم ليعينوكم على معارضة القرآن إن كنتم صادقين في قولكم إني افتريته ، ويريد بقوله : (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) من خالف نبينا (ص) من جميع الأمم ، وهذا غاية ما يمكن في التحدي والمحاجة ، وفيه الدلالة الواضحة على اعجاز القرآن ، لأن إذا ثبت أن النبي (ص) تحداهم به ، واوعدهم بالقتل والأسر بعد أن عاب دينهم وآلهتهم ، وثبت أنهم كانوا أحرص الناس على