من نفاقكم أم تقيمون عليه وقيل معناه سيعلم الله أعمالكم وعزائمكم في المستقبل ويظهر ذلك لرسوله فيعلمه الرسول بإعلامه إياه فيصير كالشيء المرئي لأن أظهر ما يكون الشيء أن يكون مرئيا كما علم ذلك في الماضي فأعلم به الرسول (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي ترجعون بعد الموت إلى الله سبحانه الذي يعلم ما غاب وما حضر ، وما يخفى عليه السر والعلانية (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي يخبركم بأعمالكم كلها حسنها وقبيحها فيجازيكم عليها أجمع (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ) أي سيقسم هؤلاء المنافقون والمتخلفون فيما يعتذرون به إليكم أيها المؤمنون (إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ) انهم انما تخلفوا لعذر (لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) أي لتصفحوا عن جرمهم ولا توبّخوهم ولا تعنّفوهم. ثم أمر الله سبحانه نبيه (ص) والمؤمنين فقال (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) أي اعراض ردّ وإنكار وتكذيب ومقت. ثم بيّن عن سبب الإعراض فقال (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) أي نجس ومعناه : انهم كالشيء المنتن الذي يجب الإجتناب عنه فاجتنبوهم كما تجتنب الأنجاس (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) أي مصيرهم ومآلهم ومستقرهم جهنم (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي مكافأة على ما كانوا يكسبونه من المعاصي (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) أي طلبا لمرضاتكم عنهم أيها المؤمنون (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ) لجهلكم بحالهم (فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) الخارجين من طاعته إلى معصيته لعلمه بحالهم ومعناه : انه لا ينفعهم رضاكم عنهم مع سخط الله عليهم وارتفاع رضاه عنهم.
٩٧ ـ ٩٩ ـ لما تقدّم ذكر المنافقين بيّن سبحانه أن الأعراب منهم أشدّ في ذلك وأكثر جهلا فقال (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) يريد الأعراب الذين كانوا حول المدينة ، وإنما كان كفرهم أشد لأنهم أقسى واجفى من أهل المدن ، وهم أيضا أبعد من سماع التنزيل وانذار الرسل عن الزجاج ومعناه : أنّ سكان البوادي إذا كانوا كفارا أو منافقين فهم أشدّ كفرا من أهل الحضر لبعدهم عن مواضع العلم ، واستماع الحجج ، ومشاهدة المعجزات ، وبركات الوحي (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) أي وهم أحرى وأولى بأن لا يعلموا حدود الله في الفرائض والسنن والحلال والحرام (وَاللهُ عَلِيمٌ) باحوالهم (حَكِيمٌ) فيما يحكم به عليهم (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً) أي ومن منافقي الأعراب من يعدّ ما ينفق في الجهاد وفي سبيل الخير مغرما لحقه لأنه لا يرجو به ثوابا (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) أي وينتظر بكم الدوائر ، أي صروف الزمان ، وحوادث الأيام ، والعواقب المذمومة ليرجعوا إلى دين المشركين ، وأكثر ما تستعمل الدائرة في زوال النعمة إلى الشدة ، والعافية إلى البلاء ويقولون : كانت الدائرة عليهم ، وكانت الدائرة لهم ، ثم ردّ سبحانه ذلك عليهم فقال (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) أي على هؤلاء المنافقين دائرة البلاء ، يعني أن ما ينتظرون بكم هؤلاء حقّ بهم وهم المغلبون ابدا (وَاللهُ سَمِيعٌ) لمقالاتهم (عَلِيمٌ) بنياتهم لا يخفى عليه شيء من حالاتهم ، ثم بيّن سبحانه من الأعراب المؤمنين المخلصين فقال (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ومنهم من يرجع إلى سلامة الإعتقاد في التصديق بالله وبالقيامة والجنة والنار (وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ) معناه : يتقرّب إلى الله بإنفاقه ، ويطلب بذلك ثوابه ورضاه (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) أي دعاؤه بالخير والبركة ومعناه : أنه يرغب في دعاء النبي (ص) (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) معناه : ان صلوات الرسول قربة لهم تقرّبهم إلى ثواب الله (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) هذا وعد منه سبحانه بأن يرحمهم ويدخلهم الجنة ، وفيه مبالغة بأن الرحمة غمرتهم ووسعتهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لذنوبهم (رَحِيمٌ) بأهل طاعته.
١٠٠ ـ لما تقدم ذكر المنافقين والكفار عقّبه سبحانه بذكر