فقد ظهرت براءتك ، ثم أقبل على زليخا فقال (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) أي سلي أن لا يعاقبك على ذنبك (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) أي من المذنبين.
٣٠ ـ ٣٥ ـ (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) أي جماعة من النساء في المصر الذي كان فيه الملك وزوجته ويوسف (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) أي امرأة العزيز تدعو مملوكها إلى نفسها ليفجر بها (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) أي أحبته حبا دخل شغاف قلبها (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي في خطأ بين ، وذهاب عن طريق الرشد بدعائها مملوكها إلى الفجور بها (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَ) وسماه مكرا لأن قصدهن من هذا القول كان أن تريهن يوسف لما وصف لهن من حسنه (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ) فاستضافتهن اتخذت مأدبة ودعت أربعين امرأة منهن (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) أي وأعدّت لهنّ وسائد يتكين عليها (وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) أي وأعطت كل واحدة من تلك النسوة سكينا لتقطع به الفواكه والأترج على ما هو العادة بين الناس (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) أي وقالت امرأة الملك ليوسف (ع) وكانت قد أجلسته غير مجلسهن فأمرته بالخروج عليهن في هيأته (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) أي أعظمنه وتحيّرن في جماله إذ كان كالقمر ليلة البدر (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) بتلك السكاكين على جهة الخطأ بدل قطع الفواكه فما أحسسن إلا بالدم ، ولم يجدن ألم القطع لاشتغال قلوبهن بيوسف (ع) (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) والمعنى : بعد يوسف عن هذا الذي رمي به لخوفه ومراقبته أمر الله (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) أي رفع الله منزلته عن منزلة البشر فنعوذ بالله أن نقول انه بشر ومعناه : أنه منزه أن يكون بشرا ، وليس صورته صورة البشر ، ولا خلقته خلقة البشر ، ولكنه ملك كريم لحسنه. وروي عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يصف يوسف حين رآه في السماء الثانية : رأيت رجلا صورته صورة القمر ليلة البدر ، قلت يا جبرائيل من هذا؟ قال : هذا أخوك يوسف. قال الجبائي : وهذا يدل على أن الملك أفضل من بني آدم ، لأنهن ذكرن من هو في نهاية الفضل ولم ينكر الله تعالى ذلك عليهن. وهذا من ركيك الإستدلال ، لأنه سبحانه إنما حكى عن النساء اعظامهن ليوسف حين رأين جماله وبعده عن السوء ، فشبهنه بالملك ولم يقصدن كثرة الثواب الذي هو حقيقة الفضل (قالَتْ) امرأة العزيز للنسوة التي عذلنها على محبتها ليوسف (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي هذا هو ذلك الذي لمتنني في أمره وفي حبه وشغفي به ، جعلت اعظامهن إياه عذرا لها والمعنى : هذا الذي أصابكن في رؤيته مرة واحدة ما أصابكن من ذهاب العقل فكيف عذلتنني في حبي إياه وأنا أنظر إليه آناء ليلي ونهاري ، ثم اعترفت ببراءة يوسف وأقرّت على نفسها فقالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) أي امتنع عنه. وفي هذا دلالة على أن يوسف لم يقع منه قبح ، ثم توعدته بإيقاع المكروه به ان لم يطعها فيما تدعوه إليه فقالت (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) أي وإن لم يجبني إلى ما أدعوه إليه ليحبس في السجن وليكون من الأذلاء فلما رأى يوسف اصرارها على ذلك ، وتهديدها له ، إختار السجن على المعصية (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) معناه : يا رب ان السجن أحب إليّ وأسهل عليّ مما يدعونني إليه من الفاحشة وفي هذا دلالة على أن النسوة دعونه إلى مثل ما دعته إليه امرأة العزيز ، وأن النسوة لما خرجن من عندها أرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صاحبته تسأله الزيارة (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) بالطافك لأن كيدهن قد وقع وحصل (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) أمل إليهن أو إلى قولهن بهواي والصبوة لطافة الهوى (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي المستحقين لصفة الذم بالجهل وقيل معناه أكن بمنزلة الجاهلين في فعلي (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ)