محمد (ص) (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) أي حفيظ على أعمالكم محص لها ليجازيكم عليها (قُلْ) يا محمد لهم : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ) أي لم تمنعون المؤمنين عن دين الإسلام الذي هو دين الله وسبيله؟ (تَبْغُونَها عِوَجاً) أي تطلبون لسبيل الله عوجا عن سمت الحق وهو الضلال (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) معناه : أنتم شهداء بتقديم البشارة بمحمد في كتبكم ، فكيف تصدون عنه من يطلبه وتريدون عدوله عنه (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) هذا تهديد لهم على الكفر.
١٠٠ ـ ١٠١ ـ ثم حذّر المؤمنين عن قبول قولهم فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا الله ورسوله ، وهو خطاب للأوس والخزرج ، ويدخل غيرهم من المؤمنين في عموم اللفظ (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) معناه : إن تطيعوا هؤلاء اليهود في قبول قولهم ، وإحياء الضغائن التي كانت بينكم في الجاهلية (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) أي يرجعوكم كفارا بعد إيمانكم ، ثم أكّد تعالى الأمر ، وعظم الشأن فقال : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) أي وعلى أيّ حال يقع منكم الكفر (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) وهذا استبعاد أن يقع منهم الكفر مع معرفتهم بآيات الله ، وفيهم داع يدعوهم إلى الإيمان (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) يعني محمدا ترون معجزاته (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) أي يتمسك بكتابه وآياته وبدينه (فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي إلى طريق واضح.
١٠٢ ـ ١٠٣ ـ لمّا نهى تعالى عن قبول أقوال الكافرين بيّن في هذه الآية ما يجب قبوله فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) معناه : واتقوا عذاب الله : وقوله : (حَقَّ تُقاتِهِ) أي احترسوا وامتنعوا بالطاعة من عذاب الله وقوله : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) معناه : لا تتركوا الإسلام وكونوا عليه حتى إذا ورد عليكم الموت صادفكم عليه (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) أي تمسكوا به وقيل : امتنعوا به من غيره ، وقيل في معنى حبل الله أقوال (أحدها) انه القرآن (وثانيها) انه دين الله الإسلام (وَلا تَفَرَّقُوا) معناه : ولا تتفرقوا عن دين الله الذي أمركم فيه بلزوم الجماعة ، والإئتلاف على الطاعة ، واثبتوا عليه (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) أراد ما كان بين الأوس والخزرج من الحروب التي تطاولت مائة وعشرين سنة إلى أن ألف الله بين قلوبهم بالإسلام ، فزالت تلك الأحقاد ، عن ابن عباس ، وقيل : هو ما كان بين مشركي العرب من الطوائل ، عن الحسن ، والمعنى : احفظوا نعمة الله ومنته عليكم بالإسلام وبالإئتلاف ، ورفع ما كان بينكم من التنازع والإختلاف (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ) أي بنعمة الله (إِخْواناً) متواصلين ، وأحبابا متحابين ، بعد أن كنتم متحاربين متعادين (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) أي وكنتم يا أصحاب محمد (ص) على طرف حفرة من جهنم لم يكن بينها وبينكم إلّا الموت (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) بأن أرسل إليكم رسولا ، وهداكم للإيمان ودعاكم إليه ، فنجوتم بإجابته من النار ، وإنما قال : (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) وإن لم يكونوا فيها لأنهم كانوا بمنزلة من هو فيها ، من حيث كانوا مستحقين لدخولها (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ) أي يبين الله لكم الآيات والحجج فيما أمركم به ونهاكم عنه (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لكي تهتدوا إلى الحق والصواب.
١٠٤ ـ ١٠٥ ـ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) أي جماعة (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) أي إلى الدين (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) أي بالطاعة (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي عن المعصية (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الفائزون وفي هذه الآية دلالة على وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعظم موقعهما ومحلهما من الدين ، لأنه تعالى علّق الفلاح بهما ، وعن النبي (ص) قال : من أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، فهو خليفة الله في