فعل الظلم بالسرقة (وَأَصْلَحَ) أي وفعل الفعل الصالح الجميل (فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) أي يقبل توبته باسقاط العقاب بها عن المعصية التي تاب منها ، ووصف الله بأنه يتوب على التائب فيه فائدة عظيمة وهي ان في ذلك ترغيبا للعاصي في فعل التوبة ، ولذلك وصف نفسه تعالى بالتواب الرحيم ، ووصف العبد بأنه تواب ومعناه : أوّاب وهو من صفات المدح (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيه دلالة على ان قبول التوبة تفضل من الله (أَلَمْ تَعْلَمْ) قيل هو خطاب للنبي والمراد به أمته كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له التصرف فيهما بلا دافع ولا منازع (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) اذا كان مستحقا للعقاب (وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) اذا عصاه ولم يتب ، لأنه إذا تاب فقد وعده تعالى بأنه لا يؤاخذه بذلك بعد التوبة (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مر معناه.
٤١ ـ لمّا تقدّم ذكر اليهود والنصارى عقّبه سبحانه بتسلية النبي (ص) وأمانه من كيدهم فقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ) أي لا يغمك (الَّذِينَ يُسارِعُونَ) أي مسارعة الذين يسارعون (فِي الْكُفْرِ) أي يبادرون فيه بالإصرار عليه ، والتمسك به (مِنَ) المنافقين (الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي ومن اليهود (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) هو كناية عن اليهود والمنافقين والمعنى : سماعون قولك ليكذبوا عليك (سَمَّاعُونَ) كلامك (لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) ليكذبوا عليك إذا رجعوا أي قائلون للكذب ، سماعون لقوم آخرين ارسلوهم في قصة زان محصن فقالوا لهم : إن أفتاكم محمد بالجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فلا تقبلوه ، لأنهم كانوا حرّفوا حكم الرجم الذي في التوراة (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) أي كلام الله (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أي من بعد أن وضعه الله مواضعه : أي فرض فروضه ، وأحل حلاله وحرّم حرامه ، يعني بذلك ما غيّروه من حكم الله في الزنا ، ونقلوه من الرجم إلى أربعين جلدة. وهذه تسلية للنبي (ص) يقول : ان اليهود كيف يؤمنون بك مع أنهم يحرفون كلام الله في التوراة ، ويحرفون كلامك (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) أي يقول يهود خيبر ليهود المدينة : إن أعطيتم هذا ، أي ان أمركم محمد بالجلد فاقبلوه ، وإن لم تعطوه ـ يعني الجلد ـ أي إن أفتاكم محمد بالرجم فاحذروه (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) الفتنة : العذاب ، أي من يرد الله عذابه كقوله تعالى : (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) : أي يعذبون ، وقوله : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) : أي عذابكم (فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي فلن تستطيع أن تدفع لأجله من أمر الله الذي هو العذاب أو الفضيحة والهلاك شيئا (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) معناه : أولئك اليهود لم يرد الله ان يطهر من عقوبات الكفر التي هي الختم والطبع والضيق قلوبهم كما طهر قلوب المؤمنين منها بأن كتب في قلوبهم الإيمان ، وشرح صدورهم للإسلام (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) أراد الخزي الذي لهم في الدنيا هو ما لحقهم من الذل والصغار والفضيحة بإلزام الجزية ، وإظهار كذبهم في كتمان الرجم ، وإجلاء بني النضير من ديارهم.
٤٢ ـ ٤٣ ـ ثم وصفهم تعالى فقال : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) قد مرّ تفسيره ، أعاد الله تعالى ذمّهم على استماع الكذب تأكيدا وتشديدا ومبالغة في الزجر عنه (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) أي يكثرون الأكل للسحت وهو الحرام (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) أراد به اليهود الذين تحاكموا إلى النبي في حد الزنا فخيره الله تعالى بين أن يحكم بينهم وبين أن يعرض عنهم وفي روايات أصحابنا ان هذا التخيير ثابت في الشرع للأئمة والحكام (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ) أي عن الحكم بينهم