للعمل الذي استوجبنا به هذا الثواب بأن دلّنا عليه ، وعرّضنا له بتكليفه إيانا (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) لما يصيرنا إلى هذا النعيم المقيم ، والثواب العظيم (لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) هذا اعتراف من أهل الجنة بنعمة الله سبحانه إليهم ، ومنته عليهم في دخول الجنة على سبيل الشكر والتلذذ بذلك لأنه لا تكليف هناك (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) وهذا إقرار منهم بأن ما جاءت به الرسل إليهم من جهة الله تعالى فهو حقّ لا شبهة في صحته (وَنُودُوا) أي ويناديهم مناد من جهة الله تعالى (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) أي هذه الجنة ، وإنما قال : تلكم لأنهم وعدوا بها في الدنيا فكأنه قيل لهم : هذه تلكم التي وعدتم بها (أُورِثْتُمُوها) أي أعطيتموها إرثا ، وصارت إليكم كما يصير الميراث لأهله (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي توحدون الله وتقومون بفرائضه.
٤٤ ـ ٤٥ ـ ثم حكى سبحانه ما يجري بين أهل الجنة والنار بعد استقرارهم في الدارين فقال : (وَنادى) أي وسينادي (أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) أي أهل الجنة أهل النار ، وإنما ذكره بلفظ الماضي لتحقيق المعنى ، جعل ما سيكون كأنه قد كان لأنه كائن لا محالة وذلك أبلغ في الردع (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا) من الثواب في كتبه ، وعلى ألسنة رسله (حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ) من العقاب (حَقًّا) فهو سؤال توبيخ وشماتة يريد به سرور أهل الجنة ، وحسرة أهل النار (قالُوا نَعَمْ) أي قال أهل النار وجدنا ما وعدنا ربنا من العقاب حقا وصدقا (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ) أي نادى مناد بينهم اسمع الفريقين (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) أي غضب الله وسخطه وأليم عقابه على الكافرين لأنه وصف الظالمين بقوله : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يعرضون عن الطريق الذي دلّ الله سبحانه على أنه يؤدي إلى الجنة (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) معناه : يطلبون لها العوج بالشبه التي يلتبسون بها ، ويوهمون أنه يقدح فيها (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) أي بالدار الآخرة ، يعني القيامة والبعث والجزاء (كافِرُونَ) جاحدون.
٤٦ ـ ٤٧ ـ ثم ذكر سبحانه الفريقين في الجزاء فقال (وَبَيْنَهُما حِجابٌ) أي بين الفريقين أهل الجنة وأهل النار ستر ، وهو الأعراف والأعراف : (سور بين الجنة والنار) (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) المراد بالرجال هم آل محمد (ع) ، لا يدخل الجنة إلّا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه ، ويؤيده ما رواه عمر بن شيبة وغيره : أن عليا (ع) قسيم النار والجنة ، ورواه أيضا بإسناده عن النبي (ص) أنه قال : يا علي كأني بك يوم القيامة وبيدك عصا عوسج تسوق قوما إلى الجنة وآخرين إلى النار (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) يعني هؤلاء الرجال الذين هم على الأعراف يعرفون جميع الخلق بسيماهم ، يعرفون أهل الجنة بسيماء المطيعين ، وأهل النار بسيماء العصاة (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) يعني هؤلاء الذين على الأعراف ينادون بأصحاب الجنة (أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) وهذا تسليم وتهنئة وسرور بما وهب الله لهم (لَمْ يَدْخُلُوها) أي لم يدخلوا الجنة بعد (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) أن يدخلوها (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) يعني أبصار الذين على الأعراف (تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ) أي إلى جهنم فنظروا إليهم ، وإنما قال : (صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) لأن نظرهم نظر عداوة فلا ينظرون إليهم إلّا إذا صرفت وجوههم إليهم (قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي لا تجمعنا وإياهم في النار.
٤٨ ـ ٤٩ ـ ثم بيّن سبحانه خطاب أصحاب الأعراف لأصحاب النار فقال : (وَنادى) أي وسينادي (أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً) من أصحاب النار (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي