كنا إلّا مخطئين آثمين فيما فعلناه ، وهذا يدل على أنهم ندموا على ما فعلوا ولم يصرّوا عليه (قالَ) يوسف (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي لا تعيير ولا توبيخ ولا تقريع عليكم الآن فيما فعلتم (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ذنوبكم فإني أستغفر الله لكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) في عفوه عنكم ما تقدم من ذنبكم (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) قيل انه (ع) لما عرفهم نفسه سألهم عن أبيه فقال : ما فعل أبي بعدي؟ قالوا ذهبت عيناه فقال اذهبوا بقميصي هذا واطرحوه على وجهه يعد مبصرا كما كان من قبل (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) إذا عاد بصيرا ، وهذا كان معجزا منه إذ لا يعرف أنه يعود بصيرا بإلقاء القميص على وجهه إلّا بالوحي وقيل : إن يوسف قال : إنما يذهب بقميصي من ذهب به أولا ، فقال يهوذا : أنا ذهبت به وهو ملطخ بالدم ، فأخبرته أنه أكله الذئب ، قال : فاذهب بهذا أيضا وأخبره أنه حيّ وافرحه كما حزنته ، فحمل القميص وخرج حافيا حاسرا حتى أتاه.
٩٤ ـ ٩٧ ـ (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) أي لما خرجت القافلة وانفصلت من مصر متوجهة نحو الشام (قالَ أَبُوهُمْ) يعقوب لأولاد أولاده الذين كانوا عنده (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) قال ابن عباس : هاجت ريح فحملت بريح قميص يوسف إلى يعقوب (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) معناه : لولا أن تسفهوني وقيل : لولا أن تضعفوني في الرأي (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي قالوا له إشفاقا عليه وترحما : إنك لفي ذهابك القديم عن الصواب في حب يوسف (ع) ، وانه كان عندهم أن يوسف قد مات منذ سنين (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) وهو يهوذا (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) أي ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب فعاد بصيرا. قال الضحاك : عاد إليه بصره بعد العمى وقوته بعد الضعف وشبابه بعد الهرم وسروره بعد الحزن فقال للبشير ما أدري ما أثيبك به هوّن الله عليك سكرات الموت (قالَ) يعقوب لهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي إني كنت أعلم أن الله يصدق رؤيا يوسف ، ويكشف الشدائد عن أنبيائه بالصبر وكنتم لا تعلمون ذلك (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) فيما فعلنا (قالَ) يعقوب (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) إنما لم يستغفر لهم في الحال لأنه أخّرهم إلى سحر ليلة الجمعة وقيل : انه كان يقوم ويصف أولاده خلفه عشرين سنة يدعو ويؤمنون على دعائه واستغفاره لهم حتى نزل قبول توبتهم.
٩٩ ـ ١٠٢ ـ (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ) عن أبي جعفر (ع) أن يعقوب قال لولده تحملوا إلى يوسف من يومكم هذا بأهلكم أجمعين ، فساروا إليه ويعقوب معهم ، وخالة يوسف أم يامين فحثّوا السير فرحا وسرورا تسعة أيام إلى مصر ، فلما دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه وقبّله وبكى ، ورفعه ورفع خالته على سرير الملك ، ثم دخل منزله واكتحل وادهن ولبس ثياب العز والملك فلما رأوه سجدوا جميعا إعظاما له ، وشكرا لله عند ذلك ، ولم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن ولا يكتحل ولا يتطيب حتى جمع الله بينه وبين أبيه وإخوته ، وقيل : إن يوسف بعث مع البشير مائتي راحلة مع ما يحتاج إليه في السفر وسألهم أن يأتوه بأهلهم أجمعين ، فلما دنا يعقوب من مصر تلقاه يوسف في الجند وأهل مصر ، فقال يعقوب يا يهوذا هذا فرعون مصر؟ قال : لا هذا ابنك ، ثم تلاقيا ؛ قال الكلبي على يوم من مصر ، فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام فقال : السلام عليك يا مذهب الأحزان (آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) أي ضمّهما إليه وأنزلهما عنده ، وقال أكثر المفسرين : إنه يعني أباه وخالته (وَقالَ) لهم قبل دخولهم مصر (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) والإستثناء ، يعود إلى الأمن وإنما قال : آمنين لأنهم