التوحيد والعدل والشرائع (وَرَحْمَةً) أي نعمة على سائر المكلفين لما فيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد والأحكام (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) معناه : لكي يؤمنوا بجزاء ربهم فسمى الجزاء لقاء الله تفخيما لشأنه مع ما فيه من الإيجاز والإختصار وقيل : معنى اللقاء : الرجوع إلى ملكه وسلطانه يوم لا يملك أحد سواه شيئا (وَهذا كِتابٌ) يعني القرآن ، وصفه بهذا الوصف لبيان أنه مما ينبغي أن يكتب لأنه أجل الحكم (أَنْزَلْناهُ) يعني أنزله جبرائيل إلى محمد (ص) فأضاف النزول إلى نفسه توسعا (مُبارَكٌ) وهو من يأتي من قبله الخير الكثير عن الزجاج ، فالبركة : ثبوت الخير بزيادته ونموه (فَاتَّبِعُوهُ) أي اعتقدوا صحته ، واعملوا به ، وكونوا من اتباعه (وَاتَّقُوا) معاصي الله ومخالفته ومخالفة كتابه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي لكي ترحموا ، وليكن الغرض بالتقوى منكم طلب ما عند الله من الرحمة والثواب.
١٥٦ ـ ١٥٧ ـ (أَنْ تَقُولُوا) أي كراهة أن تقولوا يا أهل مكة ، أو لئلا تقولوا (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) أي جماعتين وهم اليهود والنصارى وإنما خصهما بالذكر لشهرتهما وظهور أمرهما ، أي أنزلنا عليكم هذا الكتاب لنقطع حجتكم (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) والمعنى : انا كنا غافلين عن تلاوة كتبهم ، ولم ينزل علينا الكتاب كما أنزل عليهم لأنهم كانوا أهله دوننا ، ولو أريد منّا ما أريد منهم لأنزل الكتاب علينا كما أنزل عليهم (أَوْ تَقُولُوا) يا أهل مكة (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) في المبادرة إلى قبوله ، والتمسك به ، لأنا أجود أذهانا ، وأثبت معرفة منهم ، فإن العرب كانوا يدلون بجودة الفهم وذكاء الحدس ، وحدة الذهن (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي حجة واضحة ، ودلالة ظاهرة وهو القرآن (وَهُدىً) يهتدي به الخلق إلى النعيم المقيم ، والثواب العظيم (وَرَحْمَةٌ) أي نعمة لمن اتبعه وعمل به (فَمَنْ أَظْلَمُ) لنفسه (مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها) أي أعرض عنها غير مستدل بها ، ولا مفكر فيها (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) أي شدة العذاب وهو ما أعده الله للكفار ، ونعوذ بالله منه (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) أي جزاء بما كانوا يصدفون عن القرآن ، ومن أتى به وهو محمد (ص). وفي هذا دلالة على أن إنزال القرآن لطف للمكلفين ، وأنه لو لم ينزله لكان لهم الحجة.
١٥٨ ـ ثم توعدهم سبحانه فقال : (هَلْ يَنْظُرُونَ) معناه : ما ينتظرون يعني هؤلاء الكفار الذين تقدم ذكرهم (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم وقيل : لإنزال العذاب والخسف بهم (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) فيه أقوال (أحدها) أو يأتي أمر ربك بالعذاب وقال ابن عباس : يأتي أمر ربك فيهم بالقتل (وثانيها) أو يأتي ربك بجلائل آياته ، فيكون حذف الجار فوصل الفعل ، ثم حذف المفعول لدلالة الكلام عليه ، وهو قيام الدليل في العقل على أن الله سبحانه لا يجوز عليه الإنتقال (وثالثها) أو يأتي إهلاك ربك إياهم بعذاب عاجل أو آجل (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) التي تضطرهم إلى المعرفة ، ويزول التكليف عندها (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) لأنه ينسدّ باب التوبة بظهور آيات القيامة (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) المعنى : أنه لا ينفع في ذلك اليوم إيمان نفس إذا لم تكن آمنت قبل ذلك اليوم ، أو ضمّت إلى إيمانها أفعال الخير (قُلِ انْتَظِرُوا) إتيان الملائكة ووقوع هذه الآيات (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) بكم وقوعها ، وفي هذه الآية حث على المسارعة إلى الإيمان والطاعة قبل الحال التي لا يقبل فيها التوبة.