(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) أي يقسم هؤلاء المنافقون أنهم لمن جملتكم أيها المؤمنون (وَما هُمْ مِنْكُمْ) أي ليسوا مؤمنين (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) أي يخافون القتل والأسر إن لم يظهروا الإيمان (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) أي لو يجد هؤلاء المنافقون حرزا (أَوْ مَغاراتٍ) أي غيرانا في الجبال (أَوْ مُدَّخَلاً) أي موضع دخول يأوون إليه (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ) أي لأعرضوا عنكم إليه (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) أي يسرعون في الذهاب إليه ، ومعنى الآية : أنهم من خبث دخلتهم ، وسوء سريرتهم ، وحرصهم على إظهار ما في نفوسهم من النفاق والكفر لو أصابوا شيئا من هذه الأشياء لآووا إليه ليجاهروا بما يضمرونه.
٥٨ ـ ٥٩ ـ ثم أخبر سبحانه عنهم فقال : (وَمِنْهُمْ) أي ومن هؤلاء المنافقين (مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) أي يعيبك ويطعن عليك في أمر الصدقات (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها) أي من تلك الصدقات (رَضُوا) وأقرّوا بالعدل (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) أي يغضبون ويعيبون (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ومعناه : ولو أن هؤلاء المنافقين الذين طلبوا منك الصدقات ، وعابوك بها رضوا بما أعطاهم الله ورسوله (وَقالُوا) مع ذلك (حَسْبُنَا اللهُ) أي كافينا الله (سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) أي سيعطينا الله من فضله وانعامه ، ويعطينا رسوله مثل ذلك وقالوا : (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) فى أن يوسع علينا من فضله فيغنينا عن أموال الناس
٦٠ ـ ثم بيّن سبحانه لمن الصدقات فقال : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) ومعناه : ليست الصدقات التي هي زكاة الأموال إلّا لهؤلاء. واختلف في الفرق بين الفقير والمسكين فقيل : ان الفقير هو المتعفف الذي لا يسأل ، والمسكين الذي يسأل (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) يعني سعاة الزكاة وجباتها (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وكان هؤلاء قوما من الأشراف في زمن النبي (ص) ، وكان يعطيهم سهما من الزكاة ليتألّفهم به على الإسلام ، ويستعين بهم على قتال العدو (وَفِي الرِّقابِ) يعني في فك الرقاب من العتق (وَالْغارِمِينَ) وهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا إسراف يقضي عنهم الديون (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) وهو الجهاد بلا خلاف ويدخل فيه عند أصحابنا جميع مصالح المسلمين قالوا : يبنى منه المساجد والقناطر وغير ذلك (وَابْنِ السَّبِيلِ) وهو المسافر المنقطع به يعطى من الزكاة وإن كان غنيا في بلده ذا يسار (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) أي مقدّرة واجبة قدّرها الله وحتمها (وَاللهُ عَلِيمٌ) بحاجة خلقه (حَكِيمٌ) فيما فرض عليهم واوجب من إخراج الصدقات وغير ذلك.
٦١ ـ ٦٣ ـ ثم رجع سبحانه إلى ذكر المنافقين فقال : (وَمِنْهُمُ) أي ومن هؤلاء المنافقين (الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) والاذى قد يكون بالفعل وقد يكون بالقول ، وهو هنا بالقول (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) معناه : انه يستمع إلى ما يقال له ويصغي إليه ويقبله (قُلْ) يا محمد (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) أي هو اذن خير يستمع إلى ما هو خير لكم وهو الوحي (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) معناه : أنه لا يضرّه كونه أذنا فإنه اذن خير فلا يقبل إلّا الخبر الصادق من الله ، ويصدّق المؤمنين أيضا فيما يخبرونه ويقبل منهم دون المنافقين (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أي وهو رحمة لهم لأنهم إنما نالوا الإيمان بهدايته ودعائه إياهم (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) أخبر سبحانه أنّ هؤلاء المنافقين يقسمون بالله ان الذي بلغكم عنهم باطل اعتذارا إليكم ، وطلبا لمرضاتكم (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) أي والله ورسوله أحق وأولى بأن يطلبوا مرضاتهما (إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) مصدّقين بالله ، مقرين بنبوة نبيه (ص) ثم قال سبحانه على وجه التقريع والتوبيخ لهؤلاء المنافقين (أَلَمْ يَعْلَمُوا) أي وما يعلموا (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي من تجاوز حدود الله التي أمر المكلفين ألا يتجاوزوها (فَأَنَّ لَهُ نارَ