استحققتم من العقاب على اتخاذكم العجل إلها.
٥٢ ـ (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) أي من بعد إتخاذكم إياه إلها (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لكي تشكروا الله على عفوه عنكم ، وسائر نعمه.
٥٣ ـ (وَ) اذكروا (إِذْ آتَيْنا) أي أعطينا (مُوسَى الْكِتابَ) وهو التوراة (وَالْفُرْقانَ) انفراق البحر الذي أتاه موسى (ع) وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لكي تهتدوا.
٥٤ ـ (وَ) اذكروا (إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) الذين عبدوا العجل عند رجوعه إليهم (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي اضررتم بأنفسكم ، ووضعتم العبادة غير موضعها (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) معبودا ، وظلمهم إياها فعلهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه مما يستحق به العقاب ، وكذلك كل من فعل فعلا يستحق به العقاب فهو ظالم لنفسه (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) أي إرجعوا إلى خالقكم ومنشئكم بالطاعة والتوحيد ، وجعل توبتهم الندم مع العزم ، وقتل النفس جميعا (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي ليقتل بعضكم بعضا يقتل البريء المجرم. روي أن موسى أمرهم أن يقوموا صفين ، فاغتسلوا ولبسوا أكفانهم ، وجاء هارون باثني عشر ألفا ممن لم يعبدوا العجل ومعهم الشفار المرهفة وكانوا يقتلونهم ، فلما قتلوا سبعين ألفا تاب الله على الباقين ، وجعل قتل الماضين شهادة لهم ، وإنما إمتحنهم الله تعالى بهذه المحنة العظيمة لكفرهم بعد الدلالات والآيات العظام (فَتابَ عَلَيْكُمْ) تقديره : ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) أي قابل التوبة عن عباده مرة بعد مرة (الرَّحِيمُ) يرحمكم إذا تبتم ويدخلكم الجنة.
٥٥ ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) أي لن نصدقك في قولك إنك نبي مبعوث (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) أي علانية فيخبرنا بأنك نبي مبعوث (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) أي الموت (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إلى النار.
٥٦ ـ (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) أي ثم أحييناكم (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) لاستكمال آجالكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لكي تشكروا الله على نعمه التي منها رده الحياة إليكم.
٥٧ ـ (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) أي جعلنا لكم الغمام ظلة وسترة تقيكم حر الشمس في التيه (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) إنه نه المن الذي يعرفه الناس يسقط على الشجر (وَالسَّلْوى) هو طائر أبيض يشبه السماني (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) معناه : قلنا لهم : كلوا من الشيء الذي رزقناكم : أي أعطيناكم وجعلناه رزقا لكم وقوله (وَما ظَلَمُونا) أي فكفروا هذه النعمة وما نقصونا بكفرانهم أنعمنا (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي يعصون وقيل معناه : وما ضرونا ولكن كانوا أنفسهم يضرون. وهذا يدل على أنه الله تعالى لا ينفعه طاعة من أطاعه ، ولا يضره معصية من عصاه ، وإنما تعود منفعة الطاعة إلى المطيع ، ومضرة المعصية إلى العاصي.
٥٨ ـ أجمع المفسرون على أن المراد بالقرية هاهنا بيت المقدس ، يقول : اذكروا (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) أي أين شئتم (رَغَداً) أي موسعا عليكم مستمتعين بما شئتم من طعام القرية بعد المن والسلوى وقد قيل : إن هذه إباحة لهم منه لغنائمها وتملك أموالها إتماما للنعمة عليهم (وَادْخُلُوا الْبابَ) يعني الباب الذي أمروا بدخوله وقيل : هو باب حطة من بيت المقدس معناه : ادخلوا الباب فإذا دخلتموه فاسجدوا لله سبحانه شكرا وقوله (حِطَّةٌ) معناه : حط عنا ذنوبنا ، وهو أمر بالإستغفار (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) أي نصفح ونعف عن ذنوبكم (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) أي وسنزيدهم على ما يستحقونه من الثواب تفضلا كقوله تعالى : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).