أبعد من اللبس.
٤٤ ـ هذه الآية خطاب لعلماء اليهود كانوا يأمرون العرب بالإيمان بمحمد (ص) إذا بعث فلما بعث كفروا به (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) معناه وأنتم تقرأون التوراة وفيها صفته ونعته وقوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) معناه هذا ليس بفعل من يعقل.
٤٥ ـ إنه خطاب لليهود ان حب الرياسة كان يمنع علماء اليهود عن اتباع النبي (ص) لأنهم خافوا زوال الرياسة إذا ابتعوه ، فأمرهم الله تعالى فقال : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) على الوفاء بعهدي الذي عاهدتكم في كتابكم عليه من طاعتي واتباع أمري ، وترك ما نهيتكم عنه ، والتسليم لأمري ، واتباع رسولي محمد بالصبر على ما أنتم فيه من ضيق المعاش الذي تأخذون الأموال من عوامكم بسببه. وفائدة الاستعانة بالصّلاة أنه يتلى فيها ما يرغب فيما عند الله تعالى ، ويزهد في الدنيا وحب الرئاسة ، ولأنها تتضمن التواضع لله تعالى (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) أي لثقيلة والأصل فيه إن كل ما يكبر يثقل على الإنسان حمله (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) أي على المتواضعين لله تعالى فإنهم قد وطنوا أنفسهم على فعلها وعودوها إياها فلا يثقل عليهم.
٤٦ ـ لما تقدم ذكر الخاشعين بيّن صفتهم فقال (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) أي يوقنون (أَنَّهُمْ مُلاقُوا) ما وعدهم (رَبِّهِمْ) يكونون أبدا على حذر ووجل ولا يركنون إلى الدنيا (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) أنهم يرجعون إلى موضع لا يملك أحد لهم ضرا ولا نفعا غيره تعالى.
٤٧ ـ قد مضى تفسير أول الآية فيما تقدم وقوله : (أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) قال ابن عباس : أراد به عالمي أهل زمانهم لأن أمتنا أفضل الأمم بالإجماع ، بدليل قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ).
٤٨ ـ لما بيّن سبحانه نعمه العظام عليهم أنذرهم في كفرانها بيوم القيامة فقال (وَاتَّقُوا) أي احذروا واخشوا (يَوْماً لا تَجْزِي) أي لا تغني (نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) ولا تدفع عنها مكروها (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) قال المفسرون : حكم هذه الآية مختص باليهود لأنهم قالوا : نحن أولاد الأنبياء وآباؤنا يشفعون والمراد به الخصوص (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) ومعناه : لا يؤخذ من أحد فداء يكفّر عن ذنوبه وقوله : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي ليس لهم ناصر ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم.
٤٩ ـ ثم فصّل سبحانه في هذه الآية النعم التي أجملها فيما قبل فقال : واذكروا (إِذْ نَجَّيْناكُمْ) أي خلصناكم من قوم (فِرْعَوْنَ) وأهل دينه (يَسُومُونَكُمْ) يلزمونكم (سُوءَ الْعَذابِ) يذيقونكم ويكلفونكم وقوله : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) معناه : يقتلون أبناءكم ويستحيون بناتكم يستبقونهن ويدعونهن أحياء ليستعبدن وقوله : (وَفِي ذلِكُمْ) أي وفي سومكم العذاب ، وذبح الأبناء (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي لما خلى بينكم وبينه حتى فعل بكم هذه الأفاعيل.
٥٠ ـ ثم ذكر سبحانه نعمة أخرى فقال : واذكروا (إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) أي فرقنا بين المائين حتى مررتم فيه فكنتم فرقا بينهما تمرون في طريق يبس (فَأَنْجَيْناكُمْ) يعني من البحر والغرق وقوله : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) معناه : وأنتم تشاهدون أنهم يغرقون ، وهذا أبلغ في الشماتة وإظهار المعجزة.
٥١ ـ واذكروا (إِذْ واعَدْنا مُوسى) أن نؤتيه الألواح فيها التوراة والبيان والشفاء على رأس (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وقوله : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) أي اتخذتموه إلها من بعد غرق فرعون وما رأيتم من الآيات (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) أي مضرون بأنفسكم بما