عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) يعني يميل نفسه ويدير في أمر البنت المولودة له أيمسكه على ذل وهوان ، أم يخفيه في التراب ويدفنه حيا وهو الوأد الذي كان من عادة العرب ، وهو ان أحدهم كان يحفر حفيرة صغيرة وإذا ولد له أنثى جعلها فيها وحثا عليها التراب حتى تموت تحته ، وكانوا يفعلون ذلك مخافة الفقر عليهن فيطمع غير الاكفاء فيهن (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي بئس الحكم ما يحكمونه وهو ان يجعلوا لنفوسهم ما يشتهون ، ولله ما يكرهون (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي لهؤلاء الكفار الذين وصفوا الله بالولد صفة السوء : أي الصفة القبيحة التي هي سواد الوجه والحزن ، ولله الصفة العليا من السلطان والقدرة وقيل : لهم صفات النقص من الجهل والكفر والضلال والعمى وصفة الحدوث والضعف والعجز والحاجة إلى الأبناء وقتل البنات خوف الفقر ، ولله صفات الإلهية والإستغناء عن الصاحبة والولد والربوبية وإخلاص التوحيد فيقال كيف يمكن الجمع بين قوله سبحانه وتعالى ولله المثل الأعلى وقوله فلا تضربوا لله الأمثال والجواب ان المراد بالأمثال هناك الأشباه أي لا تشبهوا الله بشيء والمراد بالمثل الأعلى هنا الوصف الأعلى الذي هو كونه قديما قادرا عالما حيا ليس كمثله شيء (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي القادر الذي لا يمتنع عليه شيء (الْحَكِيمُ) الذي يضع الأشياء مواضعها على ما هو حكمة وصواب.
٦١ ـ ٦٥ ـ (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) أخبر سبحانه انه لو كان ممن يؤاخذ الكفار والعصاة بذنوبهم ويعاجلهم بالعقوبة لما ترك على وجه الأرض أحدا ممن يستحق ذلك من الظالمين ، وإنما قال عليها ولم يجر ذكر للأرض في الظاهر لأن الكلام يدل عليه ، فإن العلم حاصل بأن الناس يكونون على ظهر الأرض ، ومثله كثير في محاورات العرب (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى وقت يعلمه الله تعالى انه لا يكون في بقائهم فيه مصلحة لأنهم لا يؤمنون ، ولا يخرج من نسلهم مؤمن ، وإنما يؤخرهم تفضلا منه سبحانه ليراجعوا التوبة ، أو لما في ذلك من المصلحة (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) قد سبق معناه فيما مضى ، ثم حكى سبحانه عن الكفار فقال (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) يعني البنات ، أي يحكمون لله بما يكرهونه لأنفسهم (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) أي وتخبر ألسنتهم بالكذب وهو ما يقولون (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) وهي البنون ، عن مجاهد (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) أي ليس الأمر على ما وصفوا ، جرم فعلهم وقولهم ، أي كسب أنّ له النار ، والمفسّرون يقولون معناه : حقّا أنّ لهم النار ، أو لا بدّ أنّ لهم النار ، (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) أي مقدّمون ، أي معجّلون إلى النار. ثم أقسم سبحانه فقال : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي كفرهم وضلالهم ، وتكذيبهم الرسل (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) معناه : ان الشيطان وليهم اليوم في الدنيا يتولونه ويتبعون اغواءه (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي وللتابع والمتبوع عذاب مؤلم وجيع. ثم بيّن سبحانه انه قد أقام الحجة ، وأزاح العلة ، وأوضح المحجة فقال (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ) أي القرآن (إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) إلّا وقد أردنا منك أن تكشف لهم ما اختلفوا فيه من دلالة التوحيد والعدل ، وتبين لهم الحلال والحرام (وَهُدىً) أي وأنزلناه دلالة على الحق (وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ثم أخبر سبحانه عن نعمته على خلقه فقال (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي غيثا ومطرا (فَأَحْيا بِهِ) أي بذلك الماء (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أحياها بالنبات بعد جدوبها وقحطها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي حجة ودلالة (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) أي يستصغون أدلة الله ويتفكرون فيها ، ويعتبرون بها.