الذين استضعفهم المشركون (مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) وهم الذين يعجزون عن الهجرة لإعسارهم ، وقلة حيلتهم ، وهو قوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) في الخلاص من مكة وقيل معناه : لا يهتدون لسوء معرفتهم بالطريق ، أي لا يعرفون طريقا إلى المدينة (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) معناه : لعلّ الله أن يعفو عنهم لما هم عليه من الفقر ، ويتفضل عليهم بالصفح عنهم في تركهم الهجرة من حيث لم يتركوها اختيارا (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا) أي لم يزل الله ذا صفح بفضله عن ذنوب عباده بترك عقوبتهم على معاصيهم (غَفُوراً) أي ساترا عليهم ذنوبهم بعفوه لهم عنها.
١٠٠ ـ ثم قال سبحانه : (وَمَنْ يُهاجِرْ) يعني يفارق أهل الشرك ، ويهرب بدينه من وطنه إلى أرض الإسلام (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في منهاج دين الله ، وطريقه الذي شرعه لخلقه (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) أي متحولا من الأرض ، وسعة في الرزق (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) أخبر سبحانه ان من خرج من بلده مهاجرا من أرض الشرك ، فارا بدينه إلى الله ورسوله (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) قبل بلوغه دار الهجرة وأرض الإسلام (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي ثواب عمله ، وجزاء هجرته على الله تعالى (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) أي ساترا على عباده ذنوبهم بالعفو عنهم (رَحِيماً) بهم رفيقا. جاء في معنى الآية عن النبيّ (ص): من فر بدينه من أرض إلى أرض ، وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة ، وكان رفيق ابراهيم ومحمد عليهماالسلام.
١٠١ ـ (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) معناه : اذا سرتم فيها ، أي سافرتم (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) أي حرج واثم (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) معناه : أن تقصروا من عدد الصّلاة فتصلوا الرباعيات ركعتين عن مجاهد وجماعة من المفسرين ، وهو قول أكثر الفقهاء ، وهو مذهب أهل البيت (ع) (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني خفتم فتنة الذين كفروا في أنفسكم أو دينكم ، وقيل معناه : ان خفتم ان يقتلكم الذين كفروا في الصّلاة (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) أي ظاهري العداوة. والصلاة في السفر كل فريضة ركعتان إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير ، تركها رسول الله في السفر والحضر ثلاث ركعات ، وفي هذا الخبر دلالة على ان فرض المسافر مخالف لفرض المقيم ، وقد أجمعت الطائفة على ذلك وأما حد السفر الذي يجب عنده القصر فعندنا ثمانية فراسخ ، وقيل ستة عشر فرسخا وهو مذهب الشافعي.
١٠٢ ـ ثم ابتدأ تعالى ببيان صلاة الخوف في جماعة فقال : (وَإِذا كُنْتَ) يا محمد (فِيهِمْ) يعني في أصحابك الضاربين في الأرض ، الخائفين عدوّهم ان يغزوهم (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) معناه : أقمت لهم الصلاة بأن تؤمهم (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) أي من اصحابك الذين أنت فيهم (مَعَكَ) في صلاتك وليكن سائرهم في وجه العدو ، وتقديره : ولتقم طائفة منهم تجاه العدو (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) المأمور بأخذ السلاح الطائفة المصلية مع رسول الله ، يأخذون من السلاح مثل السيف يتقلدون به ، والخنجر يشدونه إلى دروعهم ، وكذلك السكين ونحو ذلك (فَإِذا سَجَدُوا) يعني الطائفة التي تصلي معه ، وفرغوا من سجودهم (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) يعني فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم مصافين للعدو (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا) وهم الذين كانوا بازاء العدو (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) يعني وليكونوا حذرين من عدوهم ، متأهبين لقتالهم بأخذ الأسلحة ، أي آلات الحرب (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) معناه : تمنى الذين كفروا (لَوْ تَغْفُلُونَ) لو تعتزلون (عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ) وتشتغلون عن