١٤ ـ ١٨ ـ ثم عدّد سبحانه نوعا آخر من أنواع نعمه فقال (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) أي ذلله لكم ، وسهل لكم الطريق إلى ركوبه ، واستخراج ما فيه من المنافع (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً) أي لتصطادوا منه أنواع السمك وتأكلوا لحمه (طَرِيًّا) من الطراوة (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً) يعني اللآلىء التي تخرج من البحر بالغوص (تَلْبَسُونَها) وتتزينون بها وتلبسونها نساءكم ، ولولا تسخيره سبحانه ذلك لكم لما قدرتم على الدنو منه ، والغوص فيه (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) أي وترى أيها الإنسان السفن شواق في البحر ، وقواطع لمائه (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي ولتركبوه للتجارة ، وتطلبوا من فضل الله تعالى (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي ولتشكروا الله على نعمه ليزيدكم منها ويثيبكم (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي جبالا عالية ثابتة (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) الأرض ، أي كراهة أن تميد بكم : أي تتحرك وتضطرب (وَأَنْهاراً) أي وجعل فيها أنهارا (وَسُبُلاً) أي طرقا لكي تجروا الماء في الأنهار إلى بساتينكم وحيث تريدون ، وتهتدوا بالطرق إلى حيث شئتم من البلاد (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) بها إلى توحيد الله (وَعَلاماتٍ) أي معالم تعلم بها الطرق (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) ليلا والمراد بالنجم الجنس ، أي جميع النجوم الثابتة (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) معناه : أفمن يخلق هذه الأشياء في استحقاق العبادة كالأصنام التي لا تخلق شيئا حتى يسوى بينها في العبادة وبين خالق جميع ذلك (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي أفلا تتذكرون أيها المشركون فتعتبرون وتعرفون أن ذلك من الخطأ الفاحش ، ثم عطف سبحانه على ذلك تذكر كثرة نعمه فقال (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) معناه : وإن أردتم تعداد نعم الله سبحانه عليكم ، ومعرفة نفاصيلها لم يمكنكم إحصاؤها ولا تعديدها ، وإنما يمكنكم أن تعرفوا جملها. بيّن سبحانه أن من وراء النعم التي ذكرها نعما لا تحصى (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) لما حصل منكم من تقصير في شكر نعمه (رَحِيمٌ) بكم حيث لم يقطعها عنكم بتقصيركم في شكرها.
١٩ ـ ٢٣ ـ لما قدّم سبحانه الدعاء إلى عبادته بذكر نعمه ، وكمال قدرته ، عقّبه ببيان علمه بسريرة كل أحد وعلانيته ، ثم ذكر بطلان الإشراك في عبادته فقال : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) أخبر سبحانه أنه يعلم ما يسرونه وما يظهرونه فيجازيهم على أفعالهم ، إذ لا يخفى عليه الجلي والخفي من أحوالهم (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) إلها (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) يعني الأصنام لا يمكنها خلق شيء بل هي مخلوقة مربوبة منحوتة من الحجر والخشب ونحوه مما هو مخلوق لله تعالى. ثم قال (أَمْواتٌ) أي هي أموات (غَيْرُ أَحْياءٍ) أكّد كونها أمواتا بقوله : (غَيْرُ أَحْياءٍ) لنفي الحياة عنها على الإطلاق ، فإن من الأموات من سبقت له حالة في الحياة ، وله حالة منتظرة في الحياة بخلاف الأصنام ، فإنه ليس لها حياة سابقة ولا منتظرة (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) معناه : وما تشعر هذه الأصنام متى تبعث ، عن الفراء ، وقيل في الآية : ان معناه : هم أموات ، يعني ان الكفّار في حكم الأموات لذهابهم عن الحق والدين ، ولا يدرون متى يبعثون ، وقيل : ان المعنى : ولا تدري الأصنام متى يبعث الخلق ، عن الجبائي ؛ وأيّان في موضع نصب يبعثون ، ثم خاطب سبحانه عباده فقال (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا يقدر على ما يستحق به العبادة من خلق أصول النعم سواه ، فاثبتوا على عبادته (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) أي جاحدة للحق تستبعد ما يرد عليها من المواعظ (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن الإنقياد للحق ، ذاهبون عنه ، دافعون له من غير حجة ، والاستكبار : طلب الترفع بترك الإذعان للحق. ثم قال سبحانه : (لا جَرَمَ) أي حقا وهو بمنزلة اليمين. وقال الزجاج معناه : حقّ أن الله ، ووجب أن الله (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) وهذا تهديد لهم بأنه عالم بجميع