١٤٦ ـ ١٤٧ ـ (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) الصرف معناه : المنع من إبطال الآيات والحجج والقدح فيها بما يخرجها عن كونها أدلة وحججا ، ومعنى قوله : (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) : أي يرون لأنفسهم فضلا على الناس وحقا ليس لغيرهم مثله ، فيحملهم ذلك على ترك اتباع الأنبياء انفة من الإنقياد لهم ، والقبول منهم (بِغَيْرِ الْحَقِ) تأكيد وبيان أن التكبّر لا يكون إلّا بغير الحق كقوله : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) ، وقد مضى ذكر أمثاله (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) أي كل حجة ودلالة تدلّ على توحيد الله (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) يعني أن يروا طريق الهدى والحق لا يتخذوه طريقا لأنفسهم (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِ) أي طريق الضلال (يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) أي طريقا لأنفسهم ، ويميلون إليه (ذلِكَ) إشارة إلى صرفهم عن الآيات (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بحججنا ، ومعجزات رسلنا (وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) أي لا يتفكرون فيها ، ولا يتعظّون بها ؛ والمراد بالغفلة هنا التشبيه لا الحقيقة مثل قوله سبحانه : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) ، وذلك أنهم لما أعرضوا عن الانتفاع بالآيات ، والتأمل فيها اشتبهت حالهم حال من كان غافلا ساهيا عنها. ثم بيّن سبحانه وعيد المكذّبين فقال (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) يعني القيامة والبعث والنشور (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التي عملوها ولا يستحقون بها مدحا ولا ثوابا لأنها وقعت على خلاف الوجه المأمور به فصارت بمنزلة ما لم يعمل (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) صورته صورة الاستفهام والمراد به الإنكار والتوبيخ ، ومعناه : ليس يجزون إلّا ما عملوه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
١٤٨ ـ ثم عاد الكلام إلى قصة بني إسرائيل وما احدثوه عند خروج موسى (ع) إلى ميقات ربه فقال سبحانه : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى) يعني السامري ومن جرى على طريقته (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد خروج موسى إلى الميقات (مِنْ حُلِيِّهِمْ) التي استعاروها من قوم فرعون ، وكانت بنو إسرائيل بمنزلة أهل الجزية في القبط ، وكان لهم يوم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي ، فوافق ذلك عيدهم فاستعاروا حلي القبط ، فلما أخرجهم الله من مصر وغرق فرعون بقيت تلك الحلي في أيديهم فاتخذ السامري منها (عِجْلاً) وهو ولد البقرة (جَسَداً) أي مجسدا لا روح فيه (لَهُ خُوارٌ) أي صوت قيل : انه احتال بادخال الريح كما يعمل هذه الآلات التي تصوت بالحيل ، ثم أنكر سبحانه ذلك عليهم فقال : (أَلَمْ يَرَوْا) أي ألم يعلموا (أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) بما يجدي عليهم نفعا ، أو يدفع عنهم ضررا (وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) أي لا يهديهم إلى خير ليأتوه ، ولا إلى شرّ ليجتنبوه (اتَّخَذُوهُ) أي اتخذوه إلها وعبدوه (وَكانُوا ظالِمِينَ) باتخاذهم له إلها ، واضعين للعبادة في غير موضعها.
١٤٩ ـ (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي فلما لحقتهم الندامة (وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) أي علموا ضلالهم عن الصواب وطريق الحق بعبادة العجل حين رجع إليهم موسى ، وبيّن لهم ذلك (قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) بقبول توبتنا (وَيَغْفِرْ لَنا) ما قدّمناه من عبادة العجل (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) باستحقاق العقاب.
١٥٠ ـ ١٥١ ـ ثم أخبر سبحانه عما فعله موسى (ع) حين رجع من مناجاة ربه ، ورأى عكوف قومه على عبادة العجل فقال : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) أي حزينا عن ابن عباس ، وقيل معناه : غضبان على قومه إذ عبدوا العجل ، اسفا حزينا متلهفا على ما فاته من مناجاة ربه (قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) أي بئسما عملتم خلفي ، وبئس