(فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً) أي لا يقدرون لك على ضرر في دين أو دنيا ، فدع النظر بينهم ان شئت (وَإِنْ حَكَمْتَ) أي وان اخترت ان تحكم بينهم (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) أي العدل ، وقيل : بما في القرآن وشريعة الإسلام (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي العادلين (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ) أي كيف يحكمك يا محمد هؤلاء اليهود فيهم فيرضون بك حكما (وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ) التي أنزلناها على موسى ، وهي التي يقرون بها أنها كتابي الذي أنزلته وانه حق ، وان ما فيه من حكمي يعلمونه ولا يتناكرونه (فِيها حُكْمُ اللهِ) أي أحكامه وقيل : عنى به الحكم بالرجم (ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي يتركون الحكم به جرأة عليّ ، وفي هذا تعجيب للنبي ، وتقريع لليهود الذين نزلت الآية فيهم ، وقوله (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد تحكيمك ، أو حكمك بالرجم (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) أي وما هم بمؤمنين بحكمك انه من عند الله مع جحدهم نبوتك.
٤٤ ـ لمّا بين الله تعالى ان اليهود تولوا عن أحكام التوراة ، وصف التوراة وما أنزل فيها فقال : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً) أي بيان للحق ، ودلالة على الأحكام (وَنُورٌ) معناه : فيها هدى : بيان للحكم الذي جاؤوا يستفتون فيه النبي (ص) (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) معناه : يحكم بالتوراة النبيون الذين اذعنوا بحكم الله ، وأقروا به ومعناه : يقضي بها النبيون الذين اسلموا من وقت موسى إلى وقت عيسى ، وصفهم بالإسلام اسلموا من وقت موسى إلى وقت عيسى ، وصفهم بالإسلام لأن الإسلام دين الله ، فكل نبي مسلم (لِلَّذِينَ هادُوا) لليهود ، أي يحكمون بالتوراة لهم وفيما بينهم (وَالرَّبَّانِيُّونَ) الذين علت درجاتهم في العلم وقيل : الذين يعملون بما يعلمون (وَالْأَحْبارُ) العلماء الخيار (بِمَا اسْتُحْفِظُوا) به أي بما استودعوا (مِنْ كِتابِ اللهِ) بما أمروا بحفظ ذلك ، والقيام به ، وترك تضييعه (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) كانوا شهداء على الكتاب انه من عند الله وحده لا شريك له (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) أي لا تخشوا يا علماء اليهود الناس في اظهار صفة النبي محمد (ص) وأمر الرجم ، واخشوني في كتمان ذلك (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) أي لا تأخذوا بترك الحكم الذي أنزلته على موسى أيها الأحبار عوضا خسيسا ، وهو الثمن القليل ، نهاهم الله تعالى بهذا عن أكل السحت على تحريفهم كتاب الله ، وتغييرهم حكمه (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) معناه : من كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه وأخفاه ، وحكم بغيره من رجم المحصن (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) هم اليهود خاصة.
٤٥ ـ ثم بيّن سبحانه حكم التوراة في القصاص فقال : (وَكَتَبْنا) أي فرضنا (عَلَيْهِمْ) أي على اليهود الذين تقدّم ذكرهم (فِيها) أي في التوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) معناه : إذا قتلت نفس نفسا أخرى عمدا فإنه يستحق عليه القود إذا كان القاتل عاقلا مميزا ، وكان المقتول مكافئا للقاتل ، أما بأن يكونا مسلمين حرين ، أو كافرين ، أو مملوكين (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِ) كل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس جرى القصاص بينهما في العين والأنف والأذن والسن وجميع الأطراف (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) هذا عام في كل ما يمكن أن يقتصّ فيه مثل الشفتين واليدين والرجلين وغيرهما (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ) أي بالقصاص الذي وجب له تصدق به على صاحبه بالعفو (فَهُوَ) أي التصدّق (كَفَّارَةٌ لَهُ) فهو مغفرة له عند الله وثواب عظيم (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) هو عام في كل من حكم بخلاف ما أنزل الله فيكون ظالما لنفسه بإرتكاب المعصية الموجبة للعقاب.
٤٦ ـ ٤٧ ـ لمّا قدّم تعالى ذكر اليهود أتبعه بذكر النصارى