الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) مرّ بيانه (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) حسرة في قلوبهم يتردّدون فيها (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) معناه : إلّا أن يموتوا ، والمراد بالآية أنهم لا ينزعون عن الخطيئة ولا يتوبون حتى يموتوا على نفاقهم وكفرهم ، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوه من الإيمان ، وأخذوا به من الكفر (وَاللهُ عَلِيمٌ) أي عالم بنيتهم في بناء مسجد الضرار (حَكِيمٌ) في أمره بنقضه والمنع من الصلاة فيه.
١١١ ـ ١١٢ ـ لما تقدّم ذكر المؤمنين والمنافقين عقّب سبحانه بالترغيب في الجهاد فقال (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) حقيقة الاشتراء لا تجوز على الله تعالى لأن المشتري إنما يشتري ما لا يملكه ، وهو عزّ اسمه مالك الأشياء كلها لكنه مثل قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، في أنه ذكر لفظ الشراء والقرض تلطفا لتأكيد الجزاء ، ولما كان سبحانه ضمن الثواب على نفسه عبّر ذلك بالاشتراء وجعل الثواب ثمنا ، والطاعات مثمنا على ضرب من المجاز ، وأخبر أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم يبذلونها في الجهاد في سبيل الله ، وأموالهم أيضا ينفقونها ابتغاء مرضاة الله على أن يكون في مقابل ذلك الجنة (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) هذا بيان للغرض الذي لأجله اشتراهم (فَيَقْتُلُونَ) المشركين (وَيُقْتَلُونَ) أي ويقتلهم المشركون ، يعني أن الجنة عوض عن جهادهم سواء قتلوا أو قتلوا (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) معناه : ان إيجاب الجنة لهم وعد على الله حقّ لا شكّ فيه (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) وهذا يدلّ على أن أهل كل ملة أمروا بالقتال وعدوا عليه الجنة (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) معناه : لا أحد أوفى بعهده من الله لأنه يفي ولا يخلف بحال (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) فافرحوا بهذه المبايعة حتى ترى آثار السرور في وجوهكم بسبب هذه المبايعة لأنكم بعتم الشيء من مالكه وأخذتم ثمنه ، ولأنكم بعتم فانيا بباق ، وزائلا بدائم (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ذلك الشراء والبيع والظفر الكبير الذي اشترى منهم الأنفس والأموال بأوصاف فقال (التَّائِبُونَ) أي الراجعون إلى طاعة الله ، والمنقطعون إليه ، النادمون على ما فعلوه من القبائح (الْعابِدُونَ) أي الذين يعبدون الله وحده ويذلّلون له بطاعته في أوامره ونواهيه (الْحامِدُونَ) أي الذين يحمدون الله على كل حال (السَّائِحُونَ) أي الصائمون (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) أي المؤدّون للصلاة المفروضة التي فيها الركوع والسجود (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ادخل الواو هنا لأن الأمر بالمعروف يتضمن النهي عن المنكر فكأنما شيء واحد ، ولأنه قرن النهي عن المنكر بالأمر بالمعروف في أكثر المواضع (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) أي والقائمون بطاعة الله ، يعني الذين يؤدّون فرائض الله وأوامره ، ويجتنبون نواهيه لأن حدود الله أوامره ونواهيه (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) هذا أمر للنبي (ص) أن يبشّر المصدّقين بالله المعترفين بنبوته بالثواب الجزيل ، والمنزلة الرفيعة خاصة إذا جمعوا هذه الأوصاف.
١١٣ ـ ١١٤ ـ (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) ومعناه : ليس للنبي والمؤمنين أن يطلبوا المغفرة للمشركين الذين يعبدون مع الله إلها آخر ، والذين لا يوحدونه ولا يقرّون بإلهيته (وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) أي ولو كان الذين يطلبون لهم المغفرة أقرب الناس إليهم (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي من بعد أن يعلموا أنهم كفار مستحقّون للخلود في النار (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) أي لم يكن استغفاره له إلّا صادرا عن