المترددّون في الشرك (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ) أخبر سبحانه أنه وعد الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر النار وكذلك الكفار ، وإنما فصل النفاق من الكفر وإن كان النفاق كفرا ليبيّن الوعيد على كل واحد من الصنفين (خالِدِينَ فِيها) أي دائمين فيها (هِيَ حَسْبُهُمْ) معناه : نار جهنم والعذاب فيها كفاية ذنوبهم كما يقول : عذبتك حسب ما فعلت وحسب فلان ما نزل به أي ذلك على قدر فعله (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) أي أبعدهم من جنته وخيره (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) أي دائم لا يزول (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي وعدكم على النفاق والإستهزاء كما وعد الذين من قبلكم من الكفار الذين فعلوا مثل فعلكم عن الزجاج والجبائي وقيل معناه : فعلكم كفعل الذين من قبلكم من كفار الأمم الخالية (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً) في أبدانهم (وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) فلم ينفعهم ذلك شيئا وحلّ بهم عذاب الله تعالى (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) أي بنصيبهم وحظهم من الدنيا بأن صرفوها في شهواتهم المحرّمة عليهم وفيما نهاهم الله عنه ثم اهلكوا (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) أي فاستمتعتم أنتم أيضا بحظكم في الدنيا كما استمتعوا هم (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) أي وخضتم في الكفر والإستهزاء بالمؤمنين كما خاض الأولون (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التي تقع طاعة من المؤمنين مثل الإنفاق في وجوه الخير وصلة الرحم وغيرها (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) إذ لم يستحقوا عليها ثوابا في الآخرة ولا تعظيما وتبجيلا في الدنيا لكفرهم وشركهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا انفسهم وأهلكوها بفعل المعاصي المؤدّية إلى الهلاك (أَلَمْ يَأْتِهِمْ) أي ألم يأت هؤلاء المنافقين الذين وصفهم (نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي خبر من كان قبلهم (قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ) ذكر سبحانه الأمم الماضية والقرون السالفة وانه سبحانه اهلكها ودمّر عليها لتكذيبها رسلها لئلا يأمنوا أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) أي المنقلبات وهي ثلاث قرى كان فيها قوم لوط ، أهلكهم الله بالخسف وقلب المدينة عليهم (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج والمعجزات (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أي ما يظلمهم الله باهلاكهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي ولكن عاقبهم باستحقاق إذ كذّبوا رسل الله كما فعلتم فأهلكهم بكفرهم وعصيانهم.
٧١ ـ ٧٣ ـ لما ذكر الله تعالى المنافقين ووصفهم بقبيح خصالهم اقتضت الحكمة أن يذكر المؤمنين ويصفهم بضدّ أوصافهم ليتصل الكلام بما قبله اتصال النقيض فقال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي بعضهم أنصار بعض يلزم كل واحد منهم نصرة صاحبه وموالاته ، حتى أن المرأة تهيء أسباب السفر لزوجها إذا خرج وتحفظ غيبة زوجها وهم يد واحدة على من سواهم (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وهو ما أوجب الله فعله أو رغب فيه عقلا أو شرعا (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو ما نهى الله عن فعله وزهد فيه عقلا أو شرعا (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي يداومون على فعل الصلاة ، واخراج الزكاة من أموالهم ووضعها حيث أمر الله تعالى بوضعها فيه ويمتثلون طاعة الله ورسوله ويتبعون إرادتهما ورضاهما (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) أي الذين هذه صفتهم يرحمهمالله في الآخرة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي قادر على الرحمة والعذاب واضع كل واحد منهما موضعه وفي الآية دلالة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الأعيان لأنه جعلهما من صفات جميع المؤمنين والمؤمنات (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من تحت أشجارها الأنهار والماء فيها (خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) يطيب العيش فيها ، بناها الله لا وصب فيها ولا