النبي (ص) كان يعلم أهله هذه الآية وما قبلها عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقيل ان في هذه الآية ردا على اليهود والنصارى حين قالوا اتخذ الله الولد وعلى مشركي العرب حيث قالوا لبيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك ، وعلى الصابئين والمجوس حين قالوا : لولا أولياء الله لذل الله.
سورة الكهف مكية
عدد آياتها مائة وعشر آيات
١ ـ ٦ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) يقول الله سبحانه لخلقه قولوا : كل الحمد والشكر لله (الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ) محمد (ص) (الْكِتابَ) أي القرآن وانتجبه من خلقه ، وخصّه برسالته فبعثه نبيا رسولا (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً) تقديره : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا ، وعنى بقوله : قيما معتدلا مستقيما مستويا لا تناقض فيه عن ابن عباس وقيل : قيما على سائر الكتب المتقدمة يصدقها ويحفظها وينفي البطل عنها وهو ناسخ لشرائعها عن الفراء وقيل : قيما لأمور الدين يلزم الرجوع إليه فيها فهو كقيم الدار الذي يرجع إليه في أمرها عن أبي مسلم وقيل : قيما دائما يدوم ويثبت إلى يوم القيامة لا ينسخ عن الأصم ، ولم يجعل له عوجا : أي لم يجعله ملتبسا لا يفهم ، ومعوجا لا يستقيم وهو معنى قول ابن عباس وقيل : لم يجعل فيه اختلافا كما قال عزوجل اسمه ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا عن الزجاج ، ومعنى العوج في الكلام : أن يخرج من الصحة إلى الفساد ، ومن الحق إلى الباطل ، ومما فيه فائدة إلى ما لا فائدة فيه. ثم بيّن سبحانه الغرض في إنزاله فقال (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) ومعناه : ليخوف العبد الذي أنزل عليه الكتاب الناس عذابا شديدا ، ونكالا وسطوة من عند الله تعالى ان لم يؤمنوا به (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) معناه : وليبشر المصدقين بالله ورسوله الذين يعملون الطاعات بعد الإيمان ان لهم ثوابا حسنا في الآخرة على إيمانهم وطاعاتهم في الدنيا ، وذلك الثواب هو الجنة (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) أي لابثين في ذلك الثواب خالدين مؤبّدين لا ينتقلون عنه (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) أي وليحذر الكفار الذين قالوا : الملائكة بنات الله وهم قريش (ما لهم به من علم ولا لآبائهم) أي ليس لهؤلاء القائلين لهذا القول الشنيع علم به ولا لأسلافهم الذين مضوا قبلهم (كبرت كلمة تخرج من افواههم) أي عظمت الكلمة كلمة تخرج من أفواه هؤلاء الكفّار وذكر الأفواه تأكيدا والمعنى أنهم صرحوا بهذه الكلمة العظيمة في القبح وأظهروها (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) أي ما يقول هؤلاء إلّا كذبا وافتراء على الله (فَلَعَلَّكَ) يا محمد (باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) أي مهلك نفسك على آثار قومك الذين قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) تمردا منهم على ربهم (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) أي ان لم يصدقوا (بِهذَا الْحَدِيثِ) أي بهذا القرآن الذي أنزل عليك (أَسَفاً) أي حزنا وتلهفا ووجدا بإدبارهم عنك ، وإعراضهم عن قبول ما آتيتهم به وقيل : (عَلى آثارِهِمْ) : أي بعد موتهم لشدة شفقتك عليهم وقيل معناه : من بعد تولّيهم وإعراضهم عنك ، وقيل : أسفا : أي غيظا ، عن ابن عباس وهذه معاتبة من الله سبحانه لرسوله على شدة وجده ، وكثرة حرصه على إيمان قومه حتى بلغ ذلك به مبلغا يقربه إلى الهلاك.
٧ ـ ٨ ـ ثم بيّن سبحانه انه ابتدأ خلقه بالنعم ، وان إليه مصير الأمم فقال (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ) من الأنهار والأشجار ، وأنواع المخلوقات من الجماد والحيوان والنبات (زِينَةً لَها) أي حلية للأرض ولأهلها (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) الأعمل بطاعة الله ، والأطوع له (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) معناه : وانا مخربون الأرض بعد عمارتها ، وجاعلون ما عليها يابسا لا نبات عليه.