٣ ـ ٤ ـ لما ذكر سبحانه وتعالى في الآية من نعمائه وآلائه على عباده في رفع السماوات ، وتسخير الشمس والقمر ، ودلّ بذلك على وحدانيته ، عقّبه بذكر الأرض وما فيها من الآيات فقال : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) أي بسطها طولا وعرضا ليتمكن الحيوانات من الثبات فيها ، والإستقرار عليها (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت لتمسك الأرض ، ولو أراد أن يمسكها من غير جبال لفعل إلّا أنه أمسكها بالرواسي لأن ذلك أقرب إلى أفهام الناس ، وأدعى لهم إلى الإستدلال والنظر (وَأَنْهاراً) أي وشقّ فيها أنهارا تجري فيها المياه ، ولولا الأنهار لضاع أكثر المياه ، ولما أمكن الشرب والسقي (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي وجعل في الأرض من كل الثمرات لمأكولهم ومطعومهم صنفين أسود وأبيض ، وحلوا وحامضا ، وصيفيا وشتويا ، ورطبا ويابسا ، وإنما قال : اثنين للتأكيد ، والزوج في الحيوانات عبارة عن الذكر والأنثى ، وفي الثمار عبارة عن لونين (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) معناه : يأتي بالليل ليذهب بضياء النهار ويستره ليسكن الحيوانات فيه ، ويأتي بضياء النهار ليمحو ظلام الليل ، وينصرف الناس فيه لمعايشهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما سبق ذكره (لَآياتٍ) أي لدلالات واضحات على وحدانية الله تعالى : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيها فيستدلون منها على أن لهم صانعا (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) أي أبعاض متقاربات مختلفات في التفاضل : منها جبل صلب لا ينبت شيئا ، ومنها سهل حر ينبته ، ومنها سبخة لا تنبت (وَجَنَّاتٌ) أي بساتين (مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) أي نخلات من أصل واحد (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) أي نخلات من أصول شتى (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) أي يسقي ما ذكرناه من القطع المتجاورة والجنات والنخيل المختلفة بماء الأنهار ، أو بماء السماء (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) يفضل الله بعضها على بعض في الطعم واللون والطبع مع أن البئر واحدة ، والشرب واحد ، والجنس واحد ، حتى يكون بعضها حامضا ، وبعضها حلوا ، وبعضها مرا ، فلو كانت بالطبع لما اختلف ألوانها وطعومها مع كون الأرض والماء والهواء واحدا ، وفي هذا أوضح دلالة على أن لهذه الأشياء صانعا (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في اختلاف ألوانها وطعومها (لَآياتٍ) أي حججا ودلالات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) دلائل الله تعالى ويتفكرون فيها ويستدلون بها.
٥ ـ ٧ ـ لما تقدّم ذكر الأدلة على أنه سبحانه قادر على الإنشاء والإعادة ، عقّبه بالتعجّب من تكذيبهم بالبعث والنشور فقال : (وَإِنْ تَعْجَبْ) يا محمد من قول هؤلاء الكفار في إنكارهم البعث مع إقرارهم بابتداء خلق الخلق (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) أي فقولهم عجب (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي أنبعث ونعاد بعدما صرنا ترابا ، هذا مما لا يمكن (أُولئِكَ) المنكرون للبعث (الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) أي جحدوا قدرة الله تعالى على البعث (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) في الآخرة (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) مضى تفسيره (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) أي يستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون (بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي بالعقاب الذي توعدوا به على التكذيب قبل الثواب الذي وعدوا به على الإيمان وذلك حين قالوا : فأمطر علينا حجارة من السماء (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ) أي مضت من قبلهم (الْمَثُلاتُ) أي العقوبات التي يقع بها الإعتبار ، وهو ما حلّ بهم من المسخ والخسف والغرق وقد سلك هؤلاء طريقتهم فكيف يتجاسرون على استعجالها؟! (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) قال المرتضى (ره) في هذه الآية دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من أهل القبلة لأنه سبحانه دلّنا على أنه يغفر لهم مع كونهم ظالمين لأن قوله : (عَلى ظُلْمِهِمْ) إشارة إلى الحال التي يكونون عليها ظالمين ، ويجري ذلك مجرى قول القائل : أنا أودّ فلانا على غدره ، وأصله على هجره (وَإِنَ