زاكية وهي شجرة الحنضل (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ) أي اقتطعت واستوصلت واقتلعت جثته من الأرض (ما لَها مِنْ قَرارٍ) أي ما لتلك الشجرة من ثبات فإن الريح تنسفها وتذهب بها ، فكما أن هذه الشجرة لا ثبات لها ولا بقاء ولا ينتفع بها أحد فكذلك الكلمة الخبيثة لا ينتفع بها صاحبها ، ولا يثبت له منها نفع ولا ثواب.
٢٧ ـ ٣٠ ـ لما قدّم سبحانه ذكر الكلمة الطيبة عقّبه بذكر ما يحصل لصاحبها من المثوبة والكرامة فقال (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) معناه : يثبت الله المؤمنين بسبب كلمة التوحيد وحرمتها في الحياة الدنيا حتى لا يزلّوا ولا يضلوا عن طريق الحق ، ويثبتهم بها حتى لا يزلّوا ولا يضلّوا عن طريق الجنة وقال أكثر المفسرين : ان المراد بقوله : (فِي الْآخِرَةِ) في القبر ، والآية وردت في سؤال القبر (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) أي ويضلهم عن هذا التثبيت في الدنيا وفي الآخرة (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) من الإمهال والإنتقام وضغطة القبر ومساءلة منكر ونكير ، ولا اعتراض عليه في ذلك ، ولا قدرة لأحد على منعه ، وهذا من تمام الترغيب والترهيب ، ثم خاطب سبحانه نبيّه (ص) فقال : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) المراد ألم تر إلى هؤلاء الكفار عرفوا نعمة الله بمحمد صلىاللهعليهوآله ، أي عرفوا محمدا ثم كفروا به ، فبدلوا مكان الشكر كفرا (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) معناه : أنزلوهم دار الهلاك وهي النار بدعائهم إياهم الى الكفر بالنبي ، وإغوائهم إياهم (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) وهذا تفسير لدار البوار ، يعني أن تلك الدار هي جهنم يدخلونها ، وبئس القرار من قراره النار (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) أي وجعل هؤلاء الكفار الذين بدّلوا نعمة الله كفرا لله نظراء وأمثالا في العبادة زيادة على كفرهم وجحدهم (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) أي ليكون عاقبة أمرهم إلى الضلال الذي هو الهلاك ، ثم قال سبحانه لنبيه (ص) (قُلْ) لهؤلاء الكفار الذين وصفناهم (تَمَتَّعُوا) وانتفعوا بما تهوون من عاجل هذه الدنيا ، والمراد به التهديد وإن كان بصورة الأمر (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ) أي مرجعكم ومآلكم (إِلَى النَّارِ) والكون فيها.
٣١ ـ ٣٤ ـ (قُلْ) يا محمد (لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي اعترفوا بتوحيد الله وعدله ، عنى به أصحاب النبي (ص) وقيل : أراد به جميع المؤمنين (يُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي يؤدّوا الصلوات الخمس لمواقيتها (وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي وقل لهم : ينفقوا من أموالهم في وجوه البر من الفرائض والنوافل ، ينفقون في النوافل سرّا ليدفعوا عن أنفسهم تهمة الرياء ، وفي الفرائض علانية ليدفعوا تهمة المنع (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) يعني يوم القيامة ، والمراد بالبيع : إعطاء البدل ليتخلص به من النار لا إن هناك مبايعة (وَلا خِلالٌ) أي ولا مصادقة ، وهذا مثل قوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ). ثم بيّن سبحانه أنه المستحق للإلهية فقال (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي أنشأهما من غير شيء ، وبدأ بذكرهما لعظم شأنهما في القدرة والنعمة (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي غيثا ومطرا (فَأَخْرَجَ بِهِ) أي بذلك الماء (مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) يعني أن الغرض في ذلك أن يؤتيكم أرزاقكم (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) أي السفن والمراكب (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) أي بأمر الله لأنها تسير بالرياح والله هو المنشىء للرياح (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) التي تجري بالمياه التي ينزلها من السماء ، ويجريها في الأودية ، وينصب منها في الأنهار (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي ذلّل لمنافعكم الشمس والقمر في سيرهما لتنتفعوا بضوء الشمس نهارا ، وبضوء القمر ليلا ، وليبلغ بها الثمار والنبات في النضج الحد الذي عليه تتمّ النعمة فيهما (دائِبَيْنِ) أي دائمين لا يفتران في صلاح الخلق والنباتات ومنافعهم