إبطال أمره حتى بذلوا مهجهم وأموالهم في ذلك ، فإذا قيل لهم : افتروا أنتم مثل هذا القرآن وادحضوا حجته وذلك ايسر وأهون عليكم من كل ما تكلفتموه ، فعدلوا عن ذلك وصاروا إلى الحرب والقتل ، وتكلف الأمور الشاقة ، فذلك من أدلّ الدلائل على عجزهم (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) انه خطاب للمسلمين والمراد : فإن لم يجبكم هؤلاء الكفار إلى الاتيان بعشر سور مثله معارضة لهذا القرآن (فَاعْلَمُوا) أيها المسلمون (أَنَّما أُنْزِلَ) القرآن (بِعِلْمِ اللهِ) وقيل هو خطاب للكفار وتقديره : فإن لم يستجب لكم من تدعونهم إلى المعاونة ، ولم يتهيأ لكم المعارضة ، فقد قامت عليكم الحجة (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي واعلموا أنه لا إله إلا هو ، لأن مثل هذا المعجز لا يقدر عليه إلا الله الواحد الذي لا إله إلّا هو (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي هل انتم بعد قيام الحجة عليكم بما ذكرناه من كلام الله مستسلمون منقادون له؟ معتقدون لتوحيده ، وهذا استفهام في معنى الأمر مثل قوله : فهل انتم منتهون.
١٥ ـ ١٦ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) أي زهرتها وحسن بهجتها ولا يريد الآخرة (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) أي نوفّر عليهم جزاء أعمالهم في الدنيا تاما (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) والمراد به المشركون الذين لا يصدّقون بالبعث ، يعملون أعمال البر : كصلة الرحم ، واعطاء السائل ، والكف عن الظلم ، وإغاثة المظلوم ، والأعمال التي يحسنها العقل : كبناء القناطر ونحوه ، فإن الله يعجل لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بتوسيع الرزق ، وصحة البدن (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) ظاهر المراد (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) فلا يستحقون عليه ثوابا لأنهم أوقعوه على خلاف الوجه المأمور بإيقاعه عليه (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بطلت أعمالهم.
١٧ ـ ٢٢ ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) استفهام يراد به التقرير وتقديره : هل الذي كان على برهان وحجة من الله؟ والمراد بالبينة هنا القرآن والمعني بقوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) النبي (ص) (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أي ويتبعه من يشهد بصحته منه ، والشاهد منه علي بن أبي طالب عليهالسلام يشهد للنبي (ص) وهو منه ، وهو المروي عن ابي جعفر وعلي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، ورواه الطبري بإسناده عن جابر ابن عبد الله عن علي عليهالسلام (وَمِنْ قَبْلِهِ) أي ومن قبل القرآن لأنه مدلول عليه فيما تقدم من الكلام (كِتابُ مُوسى) يتلوه أيضا في التصديق ، لأن النبي (ص) بشّر به موسى في التوراة (إِماماً) يؤتم به في أمور الدين (وَرَحْمَةً) أي ونعمة من الله تعالى على عباده (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) معناه : أولئك الذين هم على بينة من ربهم يؤمنون بالقرآن وتقدير الآية : أفمن كان على بينة من ربه وبصيرة كمن ليس على بينة ولا بصيرة إلّا أنه اختصر ثم أخبر عنه فقال : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) قوله (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) معناه : ومن يكفر بالقرآن من مشركي العرب وفرق الكفار كاليهود والنصارى وغيرهم فالنار موعده ومصيره ومستقره ، وفي الحديث أن النبي (ص) قال : لا يسمع بي أحد من الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان من أصحاب النار (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) أي في شك (مِنْهُ) تقديره : لا تك أيها الإنسان أو أيها السامع في مرية من ربك ، أي من أمره وإنزاله (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) الهاء راجع إلى القرآن (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بصحته وصدقه لجهلهم بالله تعالى ، وجحدهم لنبوة نبيه (ص) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي لا أحد أظلم منه إلا أنه خرج مخرج الاستفهام ليكون ابلغ (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) يوم القيامة ، أي يوقفون موقفا يراهم الخلائق للمطالبة بما عملوا ، ويسألون عن أعمالهم ويجازون عليها (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) يعني الملائكة يشهدون على العباد وهم الحفظة عن مجاهد ، وقيل : هم الأنبياء عن الضحاك ، وقيل : هم شهداء كل عصر من أئمة المؤمنين (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) أي كذبوا على رسل ربهم وأضافوا إلى الله ما لم ينزله (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) هذا ابتداء خطاب من الله