فتكون عجلتك حجة عليك (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ) التي حولك (حاشِرِينَ) أي جامعين للسحرة ، يحشرون من يعلمونه منهم (يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) أي يحشرون إليك السحرة ليجتمعوا ويعارضوا موسى فيغلبوه.
١١٣ ـ ١١٦ ـ (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) فحشروهم فجاء السحرة فرعون وكانوا خمسة عشر ألفا عن ابن إسحاق (قالُوا) لفرعون (إِنَّ لَنا لَأَجْراً) عوضا على عملنا وجزاء بالخير (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) لموسى (قالَ نَعَمْ) أي قال فرعون مجيبا لهم عمّا سألوه : نعم لكم الأجر (وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي وانكم مع حصول الأجر لكم لمن المقربين إلى المنازل الجليلة والمراتب الخطيرة التي لا يتخطى إليها العامة ، ولا يحظى بها إلّا الخاصة (قالُوا) يعني قالت السحرة لموسى (يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) ما معك من العصا أولا (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) لما معنا من العصي والحبال أولا (قالَ) لهم موسى (أَلْقُوا) أنتم وهذا أمر تهديد وتقريع كقوله سبحانه : أعملوا ما شئتم (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) أي فلما القى السحرة ما عندهم من السحر احتالوا في تحريك الحبال والعصي بالزئبق حتى تحركت بحرارة الشمس وغير ذلك من الحيل ، وأنواع التمويه والتلبيس ، وخيّل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية ، وإنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته ، وخفي ذلك عليهم لبعده منهم ، فإنهم لم يخلوا الناس يدخلون فيما بينهم (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) أي استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس (وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) وصف سحرهم بالعظم لبعد مرام الحيلة فيه ، وشدة التمويه به ، فهو لذلك عظيم الشأن عند من يراه من الناس ، ولأنه على ما ذكرناه في عدة السحرة وكثرتهم.
١١٧ ـ ١٢٢ ـ ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى) أي القينا إليه من وجه لم يشعر به إلّا هو (أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) التي معك (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) معناه : فألقاها فصارت ثعبانا فإذا هي تبتلع ما يكذبون فيه أنها حيات (فَوَقَعَ) أي ظهر (الْحَقُ) وهو أمر موسى وصحة نبوته ومعجزاته (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بطل تمويهاتهم ، وإنما ظهر ذلك لهم لأنهم لما رأوا تلك الآيات الباهرة ، والمعجزات القاهرة في العصا ، علموا أنه أمر سماوي لا يقدر عليه غير الله (فَغُلِبُوا هُنالِكَ) أي قهر فرعون وقومه عند ذلك المجمع وبهت فرعون (وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ) أي انصرفوا أذلاء مقهورين (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) يعني أن السحرة لما شاهدوا تلك الآيات ، وعلموا أنها من عند الله تعالى ، آمنوا بالله تعالى وبموسى ، وسجدوا لله ، ألهمهم الله ذلك (قالُوا آمَنَّا) أي صدّقنا (بِرَبِّ الْعالَمِينَ) الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) انهم فسّروا سجودهم بأن قالوا : آمنا برب العالمين ، لئلا يتوهم متوهم أنهم سجدوا لفرعون ، ثم قالوا : رب موسى وهارون ، لأن فرعون كان يدّعي أنه رب العالمين ، فأزالوا به الإبهام لئلا يتوهم الجهال أنهم عنوا بقولهم : رب العالمين فرعون.
١٢٣ ـ ١٢٦ ـ ثم حكى سبحانه ما صدر عن فرعون عند إيمان السحرة فقال سبحانه : (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ) أي اقررتم له بالصدق من (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أي من قبل أن آمركم بالإيمان ، وآذن لكم في ذلك؟ (إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) معناه : ان هذا لصنيع صنعتموه فيما بينكم وبين موسى في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر فتخرجوا منها أهلها (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة أمركم ، وهذا وعيد لهم ثم بيّن الوعيد فقال : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أي من كل شق