كما يقال كتبت إليك أن لا تخرج من الدار وأن لا تخرج بالنصب والجزم (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) هذا اخبار من النبي (ص) أنه مخوف من مخالفة الله وعصيانه بأليم العقاب ، ومبشّر على طاعته بجزيل الثواب (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ومعناه : اطلبوا المغفرة واجعلوها غرضكم ثم توصلوا إليها بالتوبة (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يعني أنكم متى استغفرتموه وتبتم إليه يمتعكم في الدنيا بالنعم السابغة في الخفض والدعة والأمن والسعة إلى الوقت الذي قدّر لكم أجل الموت فيه (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) معناه : يعطي كل ذي عمل صالح فضله ، أي ثوابه على قدر عمله ، فإنّ من كثرت طاعاته في الدنيا زادت درجاته في الجنة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي اعرضوا عما أمروا به (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) أي كبير شأنه ، وهو يوم القيامة ، أي فقل لهم يا محمد إني اعلم أن لكم عذابا عظيما ، وإنما وصف اليوم بالكبير لعظم ما فيه من الأهوال (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) أي في ذلك اليوم إلى حكم الله مصيركم لأن حكم غيره يزول فيه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يقدر على الإعادة والبعث والجزاء فاحذروا مخالفته.
٥ ـ لمّا تقدّم ذكر القرآن بيّن سبحانه فعلهم عند سماعه فقال (أَلا إِنَّهُمْ) يعني الكفار والمنافقين (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) أي يطوونها على ما هم عليه من الكفر (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) ليخفوا ذلك من الله تعالى (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) معناه : انهم يتغطون بثيابهم ثم يتفاوضون فيما كانوا يدبرونه على النبي (ص) وعلى المؤمنين فيكتمونه ، فبيّن الله سبحانه أنه (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) وقت ما يتغطّون بثيابهم ويجعلونها غشاء فوقهم (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) يريد بما في النفوس وما في القلوب من المضمرات.
٦ ـ ٨ ـ (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) أي ليس من دابة تدبّ على وجه الأرض ، ويدخل فيه جميع ما خلقه الله تعالى على وجه الأرض من الجن والإنس والطير والأنعام والوحوش والهوام (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) أي إلّا والله سبحانه يتكفل برزقها ويوصله إليها على ما تقتضيه المصلحة ، وتوجبه الحكمة (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) مستقرها : حيث تأوي إليه من الأرض ، ومستودعها : حيث تموت وتبعث منه (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) هنا اخبار منه سبحانه أن جميع ذلك مكتوب في كتاب ظاهر وهو اللوح المحفوظ ، وإنما أثبت سبحانه ذلك مع انه عالم لذاته لا يعزب عن علمه شيء من مخلوقاته لما فيه من اللطف للملائكة ، أو لمن يخبر بذلك (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) هذا اخبار منه سبحانه عن نفسه بأنه انشأهما في هذا المقدار من الزمان مع قدرته على أن يخلقهما في مقدار لمح البصر ، والوجه في ذلك : انه سبحانه أراد أن يبين بذلك أن الأمور جارية في التدبير على منهاج الحكمة ، منشأة على ترتيب لما في ذلك من المصلحة (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) في هذا دلالة على أن العرش والماء كانا موجودين قبل خلق السماوات والأرض ، وكان الماء قائما بقدرة الله تعالى على غير موضع قرار بل كان الله يمسكه بكمال قدرته ، وفي ذلك اعظم الاعتبار لأهل الإنكار ، وقيل ان المراد بقوله : عرشه : بناؤه ، يدل عليه قوله : (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) : أي يبنون وكان بناؤه على الماء ، فإن البناء على الماء أبدع وأعجب ، عن أبي مسلم (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) معناه : انه خلق الخلق ودبّر الأمور ليظهر إحسان المحسن ، فإنه الغرض في ذلك ، أي ليعاملكم معاملة المبتلي المختبر لئلا يتوهم أنه سبحانه يجازي العباد على حسب ما في معلومه انه يكون منهم قبل أن يفعلوه (وَلَئِنْ قُلْتَ) يا محمد لهم (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ) للحساب والجزاء (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي ليس هذا القول إلّا تمويه ظاهر لا حقيقة له. قال الجبائي وفي الآية دلالة على أنه كان قبل خلق السماوات والأرض الملائكة ، لأن خلق العرش